نهاية الخلافة

مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/02 الساعة 23:11
بموت خليفة تنظيم الدولة داعش ابو بكر البغدادي تنطوي صفحة تاريخية اخرى من فكرة استعادة الخلافة والفرد المتدين المنقذ لدى الإسلام السياسي السني وهو المعادل الموضوعي لفكرة الامامة لدى الطائفة الأخرى، ثمة محاولة تاريخية لا تتوقف من ربط مصير الناس ومستقبلهم بماضي الاديان ومصدر هذه الفكرة هو الخيال السياسي العربي المسكون بالماضي وبالخلاص، للأسف في آخر عقدين شهدت المجتمعات العربية عودة لفكرة الفرد المتدين المنقذ بقوة ربما لم تشهدها منذ قرون طويلة العديد من الدراسات سواء المسحية او الفكرية التي ظهرت في السنوات الأخيرة ذهبت إلى وصف العرب بالتدين، بالاعتماد على مؤشرات رواد المساجد او الذين يحرصون على أداء العبادات كما هو الحال في المواقف والمرجعيات في السلوك العام، وعلى الرغم من ان المسألة معقدة ومركبة ولا يمكن حسمها بسهولة إلا ان الطريقة التي ظهرت فيها موجات التدين خلال العقود الاربعة الماضية تحمل دلالات متناقضة تعيد طرح السؤال مجددا وتحديدا حينما نراقب الطريقة التي تنسحب وتعود فيها الحركات الدينية المعاصرة وتحديدا الحركات المتطرفة كما يحدث هذه الايام، ومواقف المجتمعات منها واخص بالتحديد المجتمعات التي خضعت لحكم الكيانات والامارات التي حكمت باسم الاسلام السياسي المعاصر امثال طالبان والقاعدة وحركة الشباب وبوكوحرام وصولا إلى الدولة الاسلامية داعش منذ تقرير الحالة الدينية في مصر الذي اصدره عالم الاجتماع المعروف سعد الدين ابراهيم في التسعينيات إلى الدراسات المسحية الجديدة تعيد هذه الدراسات تأكيد زيادة مؤشرات حالة التدين؛ وفي الاغلب كانت هذه المؤشرات تقرأ بشكل سطحي ولا تذهب عميقا في ربطها بتطور الحالة السياسية والصراع الاجتماعي. وفق آخر هذه الدراسات المؤشر العربي 2016 هناك 85 % من العرب يرون أنفسهم متدينين. و38 % من هؤلاء يرون ان التدين مرتبطا بإقامة الفروض الدينية والعبادات، بينما هناك 59 % ذهبوا إلى أن شروط التدين تتمثل في السمات الأخلاقية والقيمية (28 % التحلي بالصدق والأمانة، 6 % صلة الرحم ورعاية الأقارب، 6 % مساعدة الفقراء والمحتاجين) وتوضح هذه النتائج جانبا في الاختلالات الثقافية التي تربط حالة التدين بالسمات الاخلاقية والقيمية. في المقابل ترى النسبة الاكبر تعارض تدخل رجال الدين في الانتخابات واستخدام الحكومة للدين ويذهب مسح القيم العالمي، إلى ان المجتمعات العربية تعطي مكانة اكثر للدين في الحياة اليومية وتبين هذه الدراسة ان هذه المجتمعات تعطي اهمية كبيرة وأولوية لتعليم الاطفال الدين بحيث يتقدم هذا الامر على أي مسألة أخرى بينما تتراجع على سبيل المثال قيمة احترام الذات إلى ادنى السلم القيمي ؛ كان الفيلسوف الفرنسي رينان يقول ان العرب ابعد الشعوب عن الفلسفة وابعدهم عن النظر في الروحانيات وفيما وراء الطبيعة والعالم حيث إن الانجازات الفلسفية التي تنسب للعرب هي في الاصل للشعوب الاخرى التي دخلت الاسلام لاحقا وفي هذا السياق لسنا بحاجة إلى التذكير في المأثورات الاسلامية التي تتحدث عن العرب والأعراب وعلاقتهما بالتدين ومع الأخذ بعين الاعتبار الحقيقة التي تؤكدها الدراسات الثقافية الحديثة بضرورة الابتعاد عن تصنيف المجتمعات ثقافيا بدون الاخذ بالسياق التاريخي، فإن ظاهرة التدين في المجتمعات العربية المعاصرة تحتاج إلى إعادة تعريف جديد في سياق الحمولة السياسية المرتبطة بثلاثة أبعاد اساسية وهي العدالة الاجتماعية والاستبداد واستقلالية الافراد فحينما يعم الاستبداد ويتراكم على شكل طبقات وتزداد فجوات العدالة الاجتماعية وتضمحل كينونة الافراد ويتحول المجتمع إلى نمط واحد أي إلى جماعة متشابهة مطيعة نعيد اختراع الاديان باعتبارها سياجا حمائيا لا أكثر، علينا أن نعيد التفكير في السنوات الخمس الاخيرة ثم نعيد طرح السؤال من جديد هل بالفعل العرب أمة متدينة أم أمة منكوبة تاريخيا بالسياسة والاستبداد!.(الغد)
مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/02 الساعة 23:11