الطوره يكتب: حول النقد والنقد الذاتي
عبدالرحمن خالد الطوره
المتابع لما ينشر على صفحات وسائط التواصل الاجتماعي يشاهد كما هائلا من المنشورات والأخبار السياسية او الاجتماعية أو الاقتصادية وغيرها مصحوبة بتعليقات وانتقادات ايجابية حينا وسلبية حينا آخر. فقد سهّلت وسائط الاتصال الاجتماعي للناس الحصول على المعلومات بيسر وسهولة كما أتاحت لهم ممارسة النقد بحرية تامة سواء أكان نقدا لأداء الأشخاص او نقدا لما يجري في المجتمع من احداث بشكل عام . لكن الملاحظ أن كثيرا من عمليات النقد هذه بعيدة كل البعد عن مفهوم النقد العلمي الموضوعي النزيه الخالي من الهوى والغرض الشخصي. فالناقد غالبا ما يتناول في نقده أداء الآخرين وغاضا الطرف عن أوجه القصور في أدائه في حين أن النقد الموضوعي يجب أن يطال الجميع بمن فيهم الناقد نفسه أي على الناقد ان يمارس في الوقت ذاته عمليتي النقد والنقد الذاتي . فمن خلال عملية النقد ، يقوم بعملية تقييم لأداء الآخرين أشخاصا أو مجموعات او مؤسسات بقصد معرفة جوانب القوة لتعزيزها ، وجوانب الضعف لمعالجتها وتفاديها مستقبلا .وهنا قد يكون النقد مثلا خاصا بموضوعات أدبية أي نقدا لنصوص ادبية شعرية او نثرية ، وقد يكون نقدا سياسيا أي نقدا لسياسات معينة وأداء سياسي معين ، وقد يكون نقدا اجتماعيا لظاهرة او سلوك اجتماعي معين، كما قد يكون ــ وهذا شائع الآن بشكل ملفت للنظرــ نقدا شخصيا ، أي نقدا يتناول سلوك الأشخاص وتصرفاتهم وبخاصة الأشخاص العاملين في الحقل العام .
أما النقد الذاتي، فيكون بتقييم الشخص لأدائه او تجربته الشخصية ، ومعرفة أسباب النجاح وتعزيزها ، وجوانب الفشل والاعتراف بها وتلافيها .وغالبا ما يكون النقد الذاتي بعد فشل التجربة ، كأن يكون بعد هزيمة عسكرية ، أو فشل سياسة تربوية او اقتصادية معينة . وهذا النوع من النقد أي النقد الذاتي هو دليل شجاعة لدى الناقد لأنه لا يعفي نفسه من المسؤولية كما يفعل الكثيرون الذين يزيحون مسؤولية الفشل عن كواهلهم ويلقون بها على الآخرين . ان معظم النقد الذي نشاهده على صفحات وسائط التواصل الاجتماعي بعيد كل البعد عن صفات النقد الموضوعي ، لأنه نوع من الأحكام الانطباعية او المزاجية التي لا يحكمها ضابط علمي أو اخلاقي ، ولهذا يمارسها كل من هب ودب ، وبدون أن يمتلك الناقد منهم المؤهلات العلمية أو المنهجية التي تؤهله لإصدار الأحكام على الآخرين .
ان ما يمارسه الكثيرون باسم النقد هو أقرب ما يكون للتشهير واغتيال الشخصية منه الى النقد الحقيقي. فالنقد الحقيقي له أصوله وقواعده العلمية والمنهجية ويعتمد في أحكامه على معلومات دقيقة وليس على ألأهواء والرغبات أو الميول الشخصية ، أو على الإشاعات والأقاويل المغرضة . لهذا يجب أن نميز مابين النقد البناء الذي غايته معرفة الحقيقة أو الاصلاح والتقويم ، وما بين النقد الهدام ، الذي يهدف الى التشهير بالناس والإساءة الشخصية لهم وتشويه سمعتهم من خلال التركيز على جوانبهم السلبية وتضخيمها حتى لو كانت بسيطة وغض النظر عن مزاياهم الايجابية مهما عظمت من خلال تسفيهها وتقزيمها والتقليل من أهميتها ، ولذلك لابد من ضوابط لحرية التعبير بما يكفل المحافظة على أمن الوطن وعلى السلم المجتمعي وعلى كرامات الناس وخصوصياتهم .