بزيارة الملك سلمان تزهو وتبتهج عمان

مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/27 الساعة 09:57

تأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للمملكة الأردنية الهاشمية قُبيل انعقاد مؤتمر القمة العربية في الأردن تتويجاً للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين، فهذه الزيارة الخاصة هي تأكيدٌ أصيلٌ على خصوصيّة العلاقات الأخوية الضارية جذورها في عمق التاريخ العربي الطويل، وهي زيارةٌ بالغة المعاني السياسية في توقيتها ومضامينها، وهي إبرازٌ لوشائج الأخُوّة بين البلدين، وتوفيرٌ لدعمٍ سياسيٍّ ومعنويٍّ للأردن شعباً وقيادةً وحكومةً، فالعلاقة قائمةٌ على التشاور والتنسيق الذي يهدف إلى تحقيق مصالح الشعبين الشقيقين ومصالح الأمة العربية والثقة المتبادلة بين الزعيمين الكبيرين.

وفي السياق التاريخي فإن العلاقات السعودية – الأردنية تتّسم بخصوصية متميزة عن غيرها من العلاقات الأخرى، إذ أن هناك صفحاتٍ من التاريخ الناصع المضيء بين البلدين، وهناك الكثير من المعطيات التي أسّست لمثل هذه العلاقة ذات الطابع الخاص، ومنها الأبعاد التاريخية والسياسية والاجتماعية والديمغرافية والثقافية والجوار الجغرافي، إذ حصل الاعتراف المتبادل بين الدولتين في شهر (آذار من عام 1933)، وعُقدت على أثر ذلك الاعتراف معاهدة صداقة وحسن جوار وتنظيم التعاون بين البلدين، وترسيم الحدود، ومنذ ذلك التاريخ لم يتوانَ الملوك والامراء من كلا البلدين عن تعميق هذه العلاقة وتعزيز أواصرها.

هذا ويُعتبر البلدان – الأردن والسعودية – من الدول السبع الأساسية التي أسسّت جامعة الدول العربية، ووقّعت على بروتوكول الاسكندرية المنشىء لجامعة الدول العربية عام (1945).

وقد جمعت علاقة صداقة وأخُّوّة بين الملك عبدالله المؤسّس والملك عبد العزيز الموحّد، واستمرّت العلاقات من الآباء حتى الأبناء، وكانت أول زيارة قام بها المغفور له الملك الحسين بن طلال خارج البلاد كانت إلى الرياض، حيث التقى بأخيه المغفور له الملك عبدالعزيز بن سعود، وقد كانت المملكة العربية السعودية من أوائل الدول التي أوفت بالتزاماتها تجاه الأردن عام (1957) بعد إنهاء المعاهدة الأردنية – البريطانية، وتقديم المعونة الاقتصادية للأردن.

هذا واشتركت القوات الأردنية والسعودية جنباً إلى جنب في تدعيم أسس الأمن والاستقرار في دولة الكويت عام (1961) إثر الأزمة العراقية – الكويتية.

وشاركت الأردن في الدفاع عن الحدود السعودية مع اليمن عام (1962) على إثر الأزمة اليمنية آنذاك، وشاركت القوات السعودية القوات الأردنية على إثر العدوان الثلاثي على مصر عام (1956)، هذا وقد وقفت المملكة العربية السعودية إلى جانب الأردن في حرب ( الخامس من حزيران عام 1967)، اذ بقيت القوات السعودية مرابطةً على الأراضي الأردنية على خطوط الدفاع مع إسرائيل حتى عام (1975)، ولا ننسى انطلاق القوات السعودية من الأراضي الأردنية للمشاركة في حرب ( تشرين عام 1973) على الجبهة السورية.

إن الموقف السعودي في مؤتمر القمة العربية في بغداد عام (1979) كان موقفاً مشرّفاً في دعم دول الطوق العربي حول إسرائيل، وتقديم المساعدات المالية والاقتصادية للأردن ولبقية الدول، ووقف الأردن مؤيداً لمبادرة الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز لحل القضية الفلسطينية التي أطلقها في مؤتمر بيروت عام (1981)، والقائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام، وقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من (حزيران عام 1967).

وفي نفس السياق التاريخي للعلاقة بين البلدين لم يتوانَ ملوك المملكة العربية السعودية عن إسناد الأردن، وتقديم الدعم السياسي والديبلوماسي والاقتصادي، وهذه مؤشرات على أصالة وعمق هذه العلاقة الثنائية، وعلى التطابق في وجهات النظر، وعلى وحدة الرأي والمواقف في حل الأزمات ومواجهة التحديات والصعاب التي تواجه الأمة العربية جميعاً، هذا ولا ينسى الأردنيون المواقف القومية التاريخية المضيئة والمستمرة للمملكة العربية السعودية تجاه الأردن وتجاه الأمة العربية، وأن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان للأردن هي دليلٌ واضحٌ وناصعٌ على عمق الأُخُوّة بين البلدين.

إن وشائج الأُخُوّة والقربى والمصاهرة والمصير المشترك تجمع ما بين الشعبين الأردني والسعودي، ومن هنا فإن أمن واستقرار الأردن هو أمن واستقرار المملكة العربية السعودية، إذ أن ما يجمعنا أكثر من ما يفرقنا.

إن العلاقة بين الشعبين السعودي والأردني هي علاقة ذات عمق تاريخي؛ لأنها قائمةٌ على وشائج القربى، والجوار الجغرافي، والدين والعادات والتقاليد، والمصير المشترك،  ونستذكر هنا قول المغفور له بإذن الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز « إن الأردن بالنسبة لنا بمثابة (سوداء العين)».

ترتبط المملكتان بخطٍّ حدوديٍّ طويل، وتشكّل قضية الأمن خطاً أحمر لكلا الطرفين، إذ أن الأمن والاستقرار بين المملكتين يمثل معادلةً واحدةً ومتشابكةً، فكل مملكةٍ منهما تشكّل العمق الاستراتيجي للأخرى، وقد شكّلت هذه المعادلة جزءاً من مسار العلاقات التاريخية الطويلة، فالأمن والاستقرار جزءٌ أصيل في هذه العلاقة، حيث أن أي تهديد لأمن واستقرار الأردن يشكّل تهديداً لأمن واستقرار المملكة العربية السعودية، فالتنسيق الأمني مستمرٌّ ومتواصلٌ على كافّة الصعد والمستويات.

إن الدولتين عضوان أساسيان في التحالف ضد الإرهاب، والأردن جزء من تحالف عاصفة الحزم وعاصفة الأمل للقضاء على حالة التطرف والانفلات والانقلاب على الشرعية في دولة اليمن، واستعادة الشرعية، ووقف تدخل إيران بالشأن اليمني من حيث دعمها المتواصل لقوى التطرف والحوثيين وعصابات علي عبدالله صالح.

إن عاصفة الحزم التي اتّخذ قرارها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان هي من حزم القيادة على عدم جعل اليمن خنجراً في خاصرة المملكة، وحفاظاً على عدم السماح لإيران بأن يكون لها موطئ قدم في الجزيرة العربية، وقد شكّلت هذه الخطوة نقطة انطلاقٍ حقيقيةٍ في مسار النهوض العربي ضد التدخلات الخارجية من دول الإقليم في الشؤون الداخلية للدول العربية، وخصوصاً تدخُّلات المدّ الصفوي الطائفي في المنطقة العربية من قبل إيران التي تسعى منذ عام (1979) لتصدير ثورتها للعالم العربي، فقد جاء القرار السعودي صارماً وحازماً في محاربة كل من تُسوّل له نفسه تهديد أمن واستقرار الجزيرة العربية.

إن الأردن حريصٌ جداً على بقاء التناغم والانسجام في العلاقات الديبلوماسية مع المملكة العربية السعودية، فالمملكة العربية السعودية هي دولة مركزية ومحورية أساسية في الإقليم، ولها ثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري.

إن زيارة خادم الحرمين الشريفين للأردن تشكّل نقطة تحولٍ استراتيجيةٍ في العلاقة بين البلدين، وذات مضامين سياسية عديدة، منها دعم إنجاح مؤتمر القمة العربية المنعقد في الأردن نهاية الشهر الحالي، ودعم القيادة الهاشمية التي تترّأّس المؤتمر سياسياً في استعادة الثقة بين الزعماء العرب، والتنسيق والتشاور حول جملة القضايا والتحديات التي تواجه المنطقة العربية، وخصوصاً الأزمات في كل من اليمن، وسوريا، والعراق، وليبيا، والقضية الفلسطينية، وإبراز دور المملكة العربية السعودية كمركز ثقل ودولة محورية في الإقليم والعالم في تعزيز دور قوى الاعتدال والعقلانية في المنطقة العربية، واتخاذ مواقف وقرارات سياسية لإنجاح هذا الملتقى العربي، وإخراجه عن أطر البروتوكول تأسيساً لقرارات عملية وواقعية تخدم المصالح العربية والحقوق المشروعة، وتعزيز حالة الأمن والاستقرار في المنطقة العربية، والوقوف ضد كل التدخلات الأجنبية والإقليمية غير المحمودة، ووضع القضايا والتحديات التي تواجه الأمة العربية على الطريق الصحيح، واتّخاذ مواقف محدّدة تجاه كل قضية وتحدٍّ، ولعب دور ريادي في إعادة إحياء التضامن العربي، وبثُّ روح التنسيق الجدّي والعمل الدؤوب على حل المشاكل والتحديات التي تواجه الأمة العربية برمّتها، واتّخاذ موقف موحّد تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والتأكيد على مشروع السلام العربي القائم على حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف.

ومن المعروف أن القمة لا تملك الحل الفوري لكافّة تلك القضايا والتحديات، وإنما ستضع المواقف العربية في الطريق الصحيح والعملي، وكيفيّة استعادة القرار العربي المستقل، وبناء حالة من التعاون والتنسيق المشترك الذي غاب عن الساحة العربية طويلاً؛ نتيجةً للربيع العربي وآثاره، والتدخلات الإقليمية في الشؤون الداخلية لبعض دول المنطقة.

أما في مجال العلاقات الاقتصادية بين الأردن والمملكة العربية السعودية فإن التجارة البينيّة ارتفعت لدرجةٍ غير مسبوقة، حيث بلغت (10) بلايين و(246) ألف دولار عام (2015)، وارتفعت صادرات الأردن للمملكة العربية السعودية إلى (3) بلايين دولار لعام (2015)، وتشكّل الاستثمارات السعودية في الأردن رقماً متقدّماً، إذ تصل إلى (10) مليارات دولار، وهذا يعزّز قوة العلاقات الاقتصادية السعودية- الأردنية، ناهيك عن أن الأردن مقصدٌ تعليمي، وعلاجيٌّ، وسياحيٌّ للسعوديين، إذ أن هناك ما يقارب (4) آلاف طالباً سعودياً في الجامعات الأردنية بمختلف المستويات الدراسية والجامعية، وهناك العديد من أبناء المنطقة الشرقية والغربية للمملكة العربية السعودية يأتون للمراكز الطبية والمستشفيات الأردنية ذات السمعة العالية، هذا وقد وصل عدد السُّيّاح السعوديين للأردن عام (2015) نحو مليون ونصف سائحاً سعودياً، وفي السنوات الأخيرة (2016-2017) الأعداد في تزايدٍ مستمر.

وفي سبيل تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الأردن والمملكة العربية السعودية تمّ إنشاء مجلس التنسيق السعودي- الأردني في (20/7/1437هــ) الموافق (27/4/2016)، ويهدف المجلس إلى تنمية وتعميق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين في المجالات المختلفة وذات الأهمية، والتشاور والتنسيق السياسي في القضايا الثنائية والإقليميّة والدولية، وتعزيز وتعميق التعاون القائم بين البلدين في مختلف المجالات، وتحقيق تطلعات القيادتين والشعبين الشقيقين، وتعزيز العلاقات والتعاون المشترك وصولاً للتكامل، هذا ويسعى مجلس التنسيق السعودي- الأردني إلى تشكيل جمعيةٍ لرجال الأعمال السعوديين والأردنيين، وتشجيع فرص الاستثمار الاقتصادي بين البلدين، وربط المملكة العربية السعودية والأردن بخطّ سكة حديد استكمالاً لخط القريّات، وتحديث مصفاة البترول الأردنية في محافظة الزرقاء.

وقد ساهمت المنحة الخليجية للأردن في السنوات الماضية بإقامة مشاريع اقتصادية، وتدعيم الاقتصاد الوطني الأردني، ويأمل الشعب الأردني بتجديد المنحة المالية الخليجية للأردن لهذا العام والأعوام القادمة؛ بسبب ما يعانيه الاقتصاد الأردني من مشاكل وأزمات، ولأهميّة هذه المنحة في انعكاسها على تحسين المستوى المعيشي للأردنيين، وإقامة المشاريع التي ترفد الاقتصاد الوطني.

تتّسم شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وأخوه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين بالحكمة، والاعتدال، والعقلانية، والواقعية السياسية، والاقتدار على مواجهة التحديات، وجلالتهما متفقّان على تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين على كافّة المستويات، وقادران على إنهاء أزمة الثقة بين الحكّام العرب، ووضع العربة على المسار الصحيح، وكما ذكرتُ سابقاً فإن الزيارة الملكية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان تشكّل نقطةً بارزةً ومضيئةً في العلاقات الأردنية- السعودية، وإن الشعب والقيادة والحكومة الأردنية معاً يرحّبون بهذه الزيارة المميّزة التي تصبّ في مصلحة الطرفين، فأهلاً وسهلاً بالملك سلمان في بلده الثاني بين أهله ومحبّيه.

أستاذ العلوم السياسية - الجامعة الأردنية

وزير التنمية الاجتماعية الأسبق

almashaqbeh-amin@hotmail.com

مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/27 الساعة 09:57