الخصاونة يكتب: المتاحف الأردنية، فرصة وطنية وإصلاح مطلوب
مدار الساعة ـ نشر في 2019/10/23 الساعة 16:08
* بقلم تمّام الخصاونة
لعل الكثيرين من أبناء الوطن الغالي غير مطلعين على قطاع هام جداً من القطاعات التي ترفد وعينا وثقافتنا، ألا وهو قطاع المتاحف. ولا أبالغ إذا اعتبرته القطاع التوعوي الأكبر والأميز لتفرده بالتركيز على توعية وتثقيف الأردنيين وزوار الأردن بكل ما هو متعلق بتاريخ بلدنا سواء من ناحية آثارنا وتراثنا، أو حياتنا الاجتماعية، وتاريخنا العسكري، وتاريخنا طبيعي،وصولاً إلى فنوننا حاضرها وماضيها. ومع نمو هذا القطاع عالمياً في آخر عقدين، لم يكن الأردن مستثناً، بل كان له دور بارز على صعيد المنطقة والعالم بأن اتجه لإنشاء متاحف ذات مستوىً رفيع لا تقل أهمية عن مثيلاتها في دول الجوار والعالم من حيث القصص التي ترويها، والمقتنيات القيمة جداً، وحتى فيما يخص تصاميمها الداخلية وعمارتها التي تحاكي قصصها. وأجد لزاماً هنا التنويه إلى أن الأردن يحتوي على ما يزيد عن أربعين متحفاً تنتشر على مساحة الوطن من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، ما يدل على أننا نتحدث عن قطاع كبير وذو أهمية بالغة. ولأنني أنتمي لأحدث متحف أنشئ في الأردن وهو متحف الدبابات الملكي، فإنني أجد من الواجب أن أسلط الضوء على الدور الذي يلعبه توازياً مع باقي المتاحف الرائعة في الأردن. إذ جاء متحف الدبابات الملكي بعد التوجيهات الملكية السامية بإنشائه، ليكون صرحاً توعوياً تثقيفياً بتاريخ قواتنا المسلحة الباسلة، وبنكهة فريدة عسكرية مدنية، فكان مثالاً للتكاملية والتقارب خدمة لهدف واحد وهو عزة الوطن وفخر أبناءه بالأدوار التاريخية المتميزة عبر مر العصور. ولأننا نحكي قصة الوطن من عيون كانت ولازالت تحرسه فإننا نجزم أن دورنا في زيادة وعي الأردني وتثقيفه تجاه تاريخه العسكري ومساهمة الجيش العربي في الدفاع عن الوطن وحمايته هو واجب وطني يدعونا للفخر بما نقدم. ولكوننا نتناول هذا التاريخ عبر أحد أهم الأسلحة التي خدمت في جيشنا الباسل وهي الدبابة تحديداً، فإننا على يقين تام بأن ما نقدمه من معروضات، وما نرويه من قصص، لهو مصدر جاذبية لدى الأردنيين ليعرفوا المزيد عن سلاحنا ومن خدم به من قواتنا الباسلة، وهو مصدر وثيق لفلذات أكبادنا ومستقبل بلدنا من الأطفال اللذين يركز المتحف على تثقيفهم بتاريخهم العسكري وزرع حب الوطن في قلوبهم بأسلوب تفاعلي وترفيهي يشدهم للقصة ويربط بين ما يعيشوه من قصص في المتحف مع ما يدرسوه في مناهجهم. وأجزم أن ما تقدمه باقي متاحفنا يساهم في إكمال القصة من نواحٍ أخرى تاريخية وتراثية تساهم أيضاً في زيادة وعي أمل مستقبلنا. لعل هذا الدور الذي تؤديه المتاحف الأردنية هو دور أساسي ومكمل لدور المدرسة، لا بل هو دور يعزز دور المدرسة ويساهم في ترسيخ الوعي لدى طلابنا. ومن هذا المنطلق، أجد أن من الضروري القول أن القطاع المتحفي، ونظراً لأهمية دوره يحتاج إلى إعادة النظر فيه وإيلائه الأهمية التي يستحقها دون إغفال دوره أيضاً في تقديم الأردن بالصورة التي يستحقها أمام زوار الأردن من سياح وضيوف. وبالنظر عن كثب للمتاحف الأردنية، نجد أنها تتعدد في تبعيتها الإدارية، فبعضها حكومي مرتبط بمؤسسات أو وزارات حكومية، وبعضها الآخر يجوز لنا تسميته غير حكومي يتبع مؤسسات غير ربحية، وبعض آخر شبه حكومي يتبع مؤسسات مستقلة. قد يكون هذا التنوع في التبعية أمراً مقلقاً يؤدي إلى تفاوت مستويات الخدمة المقدمة في المتاحف، كما أنه من الممكن أن يكون فرصة للرقي بمستوى الخدمة المرجوة من المتاحف، فالأمر يعتمد على نظرتنا واهتمامنا بالمتاحف، وتجريدها من التنافسية والنظر إليها بمنظور تكاملي. وهذا يسوقني لأهمية السعي نحو توحيد الرؤية والرسالة وخلق مظلة تجمع كل المتاحف دون التغيير في تبعيتها، مظلة قد تكون غير رسمية أو ذات طابع غير إلزامي ولكن تسعى لتوحيد الصف كلٌ ضمن منظومته الإدارية.
ولسنا هنا بصدد خلق نظام فريد وإنما بصدد اتباع أمثلة ناجحة جداً عالمياً، فمثلاً أنشأ ما يعرف "بتحالف المتاحف الأمريكية" في الولايات المتحدة الأمريكية كمنظمة غير رسمية تعنى بوضع السياسات والمعايير المتحفية، إضافة إلى توحيد برامج المتاحف وتكاملية القصص التي ترويها المتاحف. ومثال آخر ناجح أيضاً هو جمعية المتاحف البريطانية التي تؤدي نفس الدور وبصورة ممتازة. وكمثال آخر من آسيا فهناك المركز الوطني للتراث الحضاري في اليابان الذي يؤدي نفس الدور تقريباً. وجود هذه المؤسسات هو المحرك الرئيس لتطور المتاحف وتسهيل أداء دورها خدمة للوعي الجمعي على مستوى الوطن. لعل الزائر للمتاحف في الأردن يلحظ الفرق بين مختلف المتاحف على عدة صعد مثل طرق العرض والنشاطات المتحفية والإمكانات المتوفرة لكل متحف، ويرجع هذا الاختلاف لاختلاف الجهات المسؤولة عن المتاحف واختلاف قدراتها ومدى اطلاعها على علم المتاحف وجوانبه. ويظهر الفرق جلياً إذا ما قارنا بين المتاحف حديثة النشأة أردنياً والتي اتبعت كل ما هو جديد في علم المتاحف، وبين المتاحف الأقدم والتي ما زالت على حالها منذ نشأتها حتى وقتنا الحاضر. وبحكم عملي في عدة متاحف الأردنية أستطيع القول أن كثيراً من متاحفنا بحاجة للنهوض بمستوى الخدمة المقدمة ومواكبة التطورات على المتاحف ومفهومها وعلومها، دون إغفال أن كثيراً من العاملين فيها ليسوا ذوي خبرة متحفية وبحاجة لتطوير وبناء قدراتهم حتى ينشأ لدينا متاحف تليق بما هو معروض فيها. ولا أنكر أيضاً أن الجانب المالي مهم جداً إذ لا تستطيع جميع المؤسسات المعنية بالمتاحف توفير كل احتياجاتها نظراً لعدم توفر الموازنات الكافية لذلك، ولكن هذا هو حال جميع متاحف العالم، ولسنا في الأردن نختلف عن باقي المتاحف، إلا أن المتاحف عادة ما تلجأ إلى عدة وسائل لتعويض الضعف المادي مثل اللجوء للشركات الخاصة تحت برامج الدعم والرعاية، وإلى برامج العضويات وبرامج أصدقاء المتحف، إضافة إلى توفير مصادر دخل داخلية مثل إيجاد دكان هدايا و مطعم ضمن مرافق المتحف توفر دخلاً إضافياً للميزانية. وهذا يقودنا إلى ضرورة العمل على إعطاء نوع من المرونة للمتاحف حتى تسعى لتطوير ذاتها والسماح لها بإيجاد الفرص التمويلية التي لا شك ستنعكس إيجاباً على مستوى الخدمات التي تقدمها. إن توفير مظلة تعنى بالمتاحف الأردنية هو الحل الوحيد والأمثل للخروج من مأزق ضعف متاحفنا من أجل النهوض بها إلى مستواً يليق بما تعكسه من دور توعوي، ويساهم في تقديم الأردن بالصورة التي نرغب جميعاً بها، كما أن هذه المظلة ستعمل على أن تدعم المتاحف بعضها بعض فيشد قويها من أزر ضعيفها ويعينه على أداء دوره. ختاماً فإنني أناشد كل المعنيين سواء مؤسسات حكومية أو غير حكومية، وكل المتخصصين بهذا المجال إلى العمل على النهوض بقطاعنا المهم، وأقول تعالوا إلى كلمة سواء تجمعنا وتنهض بنا إلى مصاف الدول التي سبقتنا، فما زال هناك متسع ونحن أصحاب التاريخ الأعرق.
*مدير العمليات في متحف الدبابات الملكي
لعل الكثيرين من أبناء الوطن الغالي غير مطلعين على قطاع هام جداً من القطاعات التي ترفد وعينا وثقافتنا، ألا وهو قطاع المتاحف. ولا أبالغ إذا اعتبرته القطاع التوعوي الأكبر والأميز لتفرده بالتركيز على توعية وتثقيف الأردنيين وزوار الأردن بكل ما هو متعلق بتاريخ بلدنا سواء من ناحية آثارنا وتراثنا، أو حياتنا الاجتماعية، وتاريخنا العسكري، وتاريخنا طبيعي،وصولاً إلى فنوننا حاضرها وماضيها. ومع نمو هذا القطاع عالمياً في آخر عقدين، لم يكن الأردن مستثناً، بل كان له دور بارز على صعيد المنطقة والعالم بأن اتجه لإنشاء متاحف ذات مستوىً رفيع لا تقل أهمية عن مثيلاتها في دول الجوار والعالم من حيث القصص التي ترويها، والمقتنيات القيمة جداً، وحتى فيما يخص تصاميمها الداخلية وعمارتها التي تحاكي قصصها. وأجد لزاماً هنا التنويه إلى أن الأردن يحتوي على ما يزيد عن أربعين متحفاً تنتشر على مساحة الوطن من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، ما يدل على أننا نتحدث عن قطاع كبير وذو أهمية بالغة. ولأنني أنتمي لأحدث متحف أنشئ في الأردن وهو متحف الدبابات الملكي، فإنني أجد من الواجب أن أسلط الضوء على الدور الذي يلعبه توازياً مع باقي المتاحف الرائعة في الأردن. إذ جاء متحف الدبابات الملكي بعد التوجيهات الملكية السامية بإنشائه، ليكون صرحاً توعوياً تثقيفياً بتاريخ قواتنا المسلحة الباسلة، وبنكهة فريدة عسكرية مدنية، فكان مثالاً للتكاملية والتقارب خدمة لهدف واحد وهو عزة الوطن وفخر أبناءه بالأدوار التاريخية المتميزة عبر مر العصور. ولأننا نحكي قصة الوطن من عيون كانت ولازالت تحرسه فإننا نجزم أن دورنا في زيادة وعي الأردني وتثقيفه تجاه تاريخه العسكري ومساهمة الجيش العربي في الدفاع عن الوطن وحمايته هو واجب وطني يدعونا للفخر بما نقدم. ولكوننا نتناول هذا التاريخ عبر أحد أهم الأسلحة التي خدمت في جيشنا الباسل وهي الدبابة تحديداً، فإننا على يقين تام بأن ما نقدمه من معروضات، وما نرويه من قصص، لهو مصدر جاذبية لدى الأردنيين ليعرفوا المزيد عن سلاحنا ومن خدم به من قواتنا الباسلة، وهو مصدر وثيق لفلذات أكبادنا ومستقبل بلدنا من الأطفال اللذين يركز المتحف على تثقيفهم بتاريخهم العسكري وزرع حب الوطن في قلوبهم بأسلوب تفاعلي وترفيهي يشدهم للقصة ويربط بين ما يعيشوه من قصص في المتحف مع ما يدرسوه في مناهجهم. وأجزم أن ما تقدمه باقي متاحفنا يساهم في إكمال القصة من نواحٍ أخرى تاريخية وتراثية تساهم أيضاً في زيادة وعي أمل مستقبلنا. لعل هذا الدور الذي تؤديه المتاحف الأردنية هو دور أساسي ومكمل لدور المدرسة، لا بل هو دور يعزز دور المدرسة ويساهم في ترسيخ الوعي لدى طلابنا. ومن هذا المنطلق، أجد أن من الضروري القول أن القطاع المتحفي، ونظراً لأهمية دوره يحتاج إلى إعادة النظر فيه وإيلائه الأهمية التي يستحقها دون إغفال دوره أيضاً في تقديم الأردن بالصورة التي يستحقها أمام زوار الأردن من سياح وضيوف. وبالنظر عن كثب للمتاحف الأردنية، نجد أنها تتعدد في تبعيتها الإدارية، فبعضها حكومي مرتبط بمؤسسات أو وزارات حكومية، وبعضها الآخر يجوز لنا تسميته غير حكومي يتبع مؤسسات غير ربحية، وبعض آخر شبه حكومي يتبع مؤسسات مستقلة. قد يكون هذا التنوع في التبعية أمراً مقلقاً يؤدي إلى تفاوت مستويات الخدمة المقدمة في المتاحف، كما أنه من الممكن أن يكون فرصة للرقي بمستوى الخدمة المرجوة من المتاحف، فالأمر يعتمد على نظرتنا واهتمامنا بالمتاحف، وتجريدها من التنافسية والنظر إليها بمنظور تكاملي. وهذا يسوقني لأهمية السعي نحو توحيد الرؤية والرسالة وخلق مظلة تجمع كل المتاحف دون التغيير في تبعيتها، مظلة قد تكون غير رسمية أو ذات طابع غير إلزامي ولكن تسعى لتوحيد الصف كلٌ ضمن منظومته الإدارية.
ولسنا هنا بصدد خلق نظام فريد وإنما بصدد اتباع أمثلة ناجحة جداً عالمياً، فمثلاً أنشأ ما يعرف "بتحالف المتاحف الأمريكية" في الولايات المتحدة الأمريكية كمنظمة غير رسمية تعنى بوضع السياسات والمعايير المتحفية، إضافة إلى توحيد برامج المتاحف وتكاملية القصص التي ترويها المتاحف. ومثال آخر ناجح أيضاً هو جمعية المتاحف البريطانية التي تؤدي نفس الدور وبصورة ممتازة. وكمثال آخر من آسيا فهناك المركز الوطني للتراث الحضاري في اليابان الذي يؤدي نفس الدور تقريباً. وجود هذه المؤسسات هو المحرك الرئيس لتطور المتاحف وتسهيل أداء دورها خدمة للوعي الجمعي على مستوى الوطن. لعل الزائر للمتاحف في الأردن يلحظ الفرق بين مختلف المتاحف على عدة صعد مثل طرق العرض والنشاطات المتحفية والإمكانات المتوفرة لكل متحف، ويرجع هذا الاختلاف لاختلاف الجهات المسؤولة عن المتاحف واختلاف قدراتها ومدى اطلاعها على علم المتاحف وجوانبه. ويظهر الفرق جلياً إذا ما قارنا بين المتاحف حديثة النشأة أردنياً والتي اتبعت كل ما هو جديد في علم المتاحف، وبين المتاحف الأقدم والتي ما زالت على حالها منذ نشأتها حتى وقتنا الحاضر. وبحكم عملي في عدة متاحف الأردنية أستطيع القول أن كثيراً من متاحفنا بحاجة للنهوض بمستوى الخدمة المقدمة ومواكبة التطورات على المتاحف ومفهومها وعلومها، دون إغفال أن كثيراً من العاملين فيها ليسوا ذوي خبرة متحفية وبحاجة لتطوير وبناء قدراتهم حتى ينشأ لدينا متاحف تليق بما هو معروض فيها. ولا أنكر أيضاً أن الجانب المالي مهم جداً إذ لا تستطيع جميع المؤسسات المعنية بالمتاحف توفير كل احتياجاتها نظراً لعدم توفر الموازنات الكافية لذلك، ولكن هذا هو حال جميع متاحف العالم، ولسنا في الأردن نختلف عن باقي المتاحف، إلا أن المتاحف عادة ما تلجأ إلى عدة وسائل لتعويض الضعف المادي مثل اللجوء للشركات الخاصة تحت برامج الدعم والرعاية، وإلى برامج العضويات وبرامج أصدقاء المتحف، إضافة إلى توفير مصادر دخل داخلية مثل إيجاد دكان هدايا و مطعم ضمن مرافق المتحف توفر دخلاً إضافياً للميزانية. وهذا يقودنا إلى ضرورة العمل على إعطاء نوع من المرونة للمتاحف حتى تسعى لتطوير ذاتها والسماح لها بإيجاد الفرص التمويلية التي لا شك ستنعكس إيجاباً على مستوى الخدمات التي تقدمها. إن توفير مظلة تعنى بالمتاحف الأردنية هو الحل الوحيد والأمثل للخروج من مأزق ضعف متاحفنا من أجل النهوض بها إلى مستواً يليق بما تعكسه من دور توعوي، ويساهم في تقديم الأردن بالصورة التي نرغب جميعاً بها، كما أن هذه المظلة ستعمل على أن تدعم المتاحف بعضها بعض فيشد قويها من أزر ضعيفها ويعينه على أداء دوره. ختاماً فإنني أناشد كل المعنيين سواء مؤسسات حكومية أو غير حكومية، وكل المتخصصين بهذا المجال إلى العمل على النهوض بقطاعنا المهم، وأقول تعالوا إلى كلمة سواء تجمعنا وتنهض بنا إلى مصاف الدول التي سبقتنا، فما زال هناك متسع ونحن أصحاب التاريخ الأعرق.
*مدير العمليات في متحف الدبابات الملكي
مدار الساعة ـ نشر في 2019/10/23 الساعة 16:08