«حماية الصحفيين» يرصد أداء كتاب المقالات في إضراب المعلمين
- اتهامات بالخيانة والعمالة للخارج وتدخلات خارجية ونزع صفة المواطنة عنهم.
- منتجو خطاب الكراهية استخدموا مصطلحات مستفزة لدفع أهالي الطلبة لكسر الإضراب.
- خطاب الكراهية في بيئة منقسمة يزيد من التحشيد ضد المعلمين والمعلمات.
- 1.7 % نسبة خطاب الكراهية في 10 مقالات من أصل 574 مقالا.
- مقالات في صحيفتين يوميتين و4 مقالات في موقعين إلكترونيين.
- السياسيون ينأون بأنفسهم والكتاب الصحفيون يتصدرون إنشاء خطاب الكراهية.
مدار الساعة - مقدمة لتقريب المشهد هيمنت تغطية أحداث إضراب المعلمين على اهتمامات الصحافة الأردنية طيلة فترة الإضراب الذي امتد من صباح يوم الأحد 8/9/2019 وحتى لحظة انتهائه صباح يوم الأحد 6/10/2019 والذي وصف بأنه أطول إضراب في تاريخ الأردن.
وبدأت اهتمامات الصحافة بتغطية مطالب المعلمين بعلاوة 50% لحظة منع اعتصام المعلمين على الدوار الرابع يوم الخميس 5/9/2019 بعد أن تم منع الاعتصام بالقوة، وبعد أن رفضت نقابة المعلمين نقل مكان الاعتصام من الدوار الرابع إلى مجلس النواب، وما حصل في ذلك اليوم وما تبعه من تداعيات وصولا إلى تغطية المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد منتصف ليلة الأحد 6/10/2019 للإعلان رسميا عن فك الإضراب بعد توقيع اتفاق بين نقابة المعلمين والحكومة.
على مدى نحو شهر ظلت الصحافة الأردنية تتابع تطورات الأحداث والحوارات والمبادرات الهادفة لتسوية الخلاف بين نقابة المعلمين والحكومة، وفي الوقت الذي تتالت فيه الاجتماعات بين الطرفين، فإن الفشل ظل يطارد تلك الاجتماعات، بينما كان نحو مليون ونصف مليون طالب منقطعون عن الدراسة.
حاولت الحكومة جاهدة وبطرق عدة كسر الإضراب، سواء لجهة دفع أهالي الطلبة لكسر الإضراب عبر التحشيد الإعلامي، أو لجهة تهديد المعلمين، أو لجهة دفع أهالي بعض الطلبة لمقاضاة النقابة والمعلمين، إلا أن تلك الإجراءات لم تنجح بكسر الإضراب، حتى بعد صدور قرار المحكمة الإدارية بعدم مشروعيته وقانونيته؛ إذ ظلت النقابة متمسكة بموقفها حتى صادقت المحكمة الإدارية العليا على القرار والذي تزامن صدوره مع نجاح في تسجيل اختراق إيجابي في موقف الحكومة والنقابة معا حين استجاب رئيس الوزراء د. عمر الرزاز لطلب المعلمين الاعتذار عما تعرض المعلمون له في الخامس من شهر أيلول؛ مما أدى بالنتيجة للتوقيع على اتفاق رضيت نقابة المعلمين به والحكومة ليعود المعلمون والطلبة إلى مدارسهم بعد ساعات قليلة على الإعلان فجر يوم الأحد.
فرضت تداعيات الإضراب نفسها على التغطيات الصحفية لأهمية الحدث الذي يمس حياة الأردنيين جميعهم، فهناك نحو مليون ونصف مليون طالب وطالبة اعتبروا عمليا جزءا من تداعيات الحدث، فهم الأكثر تأثرا بطول أمد الإضراب وتوقف العملية التعليمية، ويقف وراء هذا الكم الهائل من الطلبة عائلات اضطرت للتعايش اليومي مع الحدث ومتابعة تفاصيله اليومية لمعرفة مصير ابنائهم، وفيما إذا كان في اليوم التالي سيذهب أبناؤهم لمقاعد الدراسة أم سيواصلون المكوث في المنازل.
عينة الرصد والتوثيق
اختار فريق الرصد والتوثيق في مركز حماية وحرية الصحفيين في تقريره الشهري لشهر أيلول دراسة وتحليل خطاب الكراهية في المقالات الصحفية التي نشرت تباعا في وسائل الإعلام المعتمدة في عينة الرصد والمتمثلة بأربعة عشر وسيلة إعلامية منها أربع صحف يومية هي الرأي والدستور والغد والأنباط، وعشرة مواقع إلكترونية هي عمون، وجو24، وجفرا، ورؤيا، وسرايا، وسواليف، ومدار الساعة، والبوصلة والسبيل ووكالة رم .
منهجية العمل:
وضع فريق الرصد والتوثيق خطة عمل تم الالتزام بها تماما وتتمثل بمرصد وتوثيق كامل المقالات الصحفية التي تحمل الآراء الشخصية لأصحابها فقط، بغض النظر عن تكرار أو إعادة نشر المقالات في وسائل إعلامية أخرى، كما اعتمد الفريق على رصد خطاب الكراهية الواضح في تلك المقالات، دون اللجوء إلى تحليل الانحياز، والحياد.
ولكون عينة الرصد تنحصر في المقالات الصحفية التي تعبر عن آراء كاتبيها، فقد تجاهل فريق الرصد والتوثيق تحليل اختبارات المصداقية التي يعتمدها دائما في تقاريره الأسبوعية والشهرية، لأن مقالات الرأي تعبر عن أفكار ومواقف أصحابها بالدرجة الأولى، ولكون التقرير الشهري يهتم فقط برصد خطاب الكراهية بصفة أساسية.
الخط الملتبس بين حرية التعبير وخطاب الكراهية:
لا يزال مفهوم خطاب الكراهية ملتبسا تماما لتداخله العميق مع خطاب التعبير والرأي، وهذا ما يجعل من عملية الفصل بين الخطابين عملية شاقة وخطرة في نفس الوقت.
وبالرغم من أن (المادة 2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصت على منع التمييز من أي نوع ولا "سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر"، فإن (المادة 19) من الإعلان العالمي نصت على أن "لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود ".
وبحسب الفقرة (1) من (المادة 27) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فان "لكلِّ شخص حقُّ المشاركة الحرَّة في حياة المجتمع الثقافية، وفي الاستمتاع بالفنون، والإسهام في التقدُّم العلمي وفي الفوائد التي تنجم عنه".
ولم يجز الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في (المادة 30) لأية "دولة أو جماعة، أو أيِّ فرد، أيَّ حقٍّ في القيام بأيِّ نشاط أو بأيِّ فعل يهدف إلى هدم أيٍّ من الحقوق والحرِّيات المنصوص عليها فيه" .
وفي الوقت الذي منحت فيه (المادة 19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وتفريعاتها "الحق لكل إنسان في " اعتناق آراء دون مضايقة"، والحق "في حرية التعبير.
ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها"، فإنها قيَّدت هذا الحق بواجبات ومسؤوليات خاصة أجازت فيها "إخضاعها لبعض القيود شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، ولحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة " .
وحظرت الفقرة (2) من (المادة 20) من العهد الدولي وبالقانون "أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف "، كما حظرت (المادة 26) من العهد وبالقانون "أي تمييز وأن يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب، كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب".
خطاب الكراهية محليا:
لم ترد كلمة "الكراهية" وامتداداتها اللغوية في الدستور الأردني نهائيا، وباستثناء استخدامه لكلمة "تمييز" مرة واحدة فقط في الفقرة (1) من (المادة 6) فان مثل هذه الدلالات خلت تماما من النص الدستوري.
رفض الدستور الأردني في الفقرة (1) من (المادة 6) أي تمييز بين الأردنيين "في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين"، حيث تمارس في هذه النطاقات الثلاث على المستوى العالمي جرائم الكراهية والتحريض على العنف والإرهاب وإلغاء الآخر، وانتهاك حرية الرأي والتعبير والمعتقد.
وكفل الدستور الأردني في الفقرة (1) من (المادة 15) حرية الرأي، مانحا لكل أردني الحق بأن "يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون ".
وباشتراط "حدود القانون" في النص الدستوري فإن تحديد هذه الحرية ظل منوطا بغايات المشرع، الذي اعتمد على الاستثناءات الواردة في الشرعة الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وغيرها من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
إن كلمة "الكراهية" نصا لم ترد أيضا في قانون العقوبات الأردني لسنة 1960 وتعديلاته، لكون هذه الكلمة ودلالاتها لم تكن ضاغطة وحاضرة وتمثل مشكلة قانونية واجتماعية وحقوقية في حينه، حيث اكتفى قانون العقوبات في (المادة 150) باعتماد نص فضفاض نص على "كل كتابة وكل خطاب أو عمل يقصد منه أو ينتج عنه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة يعاقب عليه بالحبس مدة ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على خمسين دينارا ) .
إن خطاب الكراهية بمفهومه غير المحدد أمميا حتى الآن يختلف في مفهومه ومضمونه عن جرائم الذم والقدح والتحقير، أثناء رصد وتقييم خطاب الكراهية الذي يتجاوز بمفهومه وأثره هذه الجرائم الثلاث الواضحة في قانون العقوبات.
خطاب الكراهية في مبادئ كامدن :
وضعت وثيقة مبادئ كامدن تعريفا لخطاب الكراهية أصبح من أكثر التعريفات شيوعا على المستوى العالمي، بالرغم من أنه لا يزال هو الآخر تعريفا قاصرا وفضفاضا، إلا أن هذه المبادئ اعتبرت حدا فاصلا بين حرية التعبير المشروع، وحرية التعبير حين يتحول إلى خطاب كراهية.
بحسب مبادئ كامدن فإن خطاب الكراهية هو "حالة ذهنية تتسم بانفعالات حادة وغير عقلانية من العداء والمقت والاحتقار تجاه المجموعة أو الشخص المحرض ضده ".
ونصت مبادئ كامدن في (المادة 12) على وجوب أن "تتبنى جميع الدول تشريعا يمنع أي دعوة للكراهية على أساس قومي أو عرقي أو ديني مما يشكل تحريضا على التمييز أو العداء أو العنف" خطاب الكراهية".
واشترطت أن توضح الأنظمة القانونية الوطنية بشكل صريح أو عبر تفسير رسمي أن كلمة الكراهية والعداء تشير إلى مشاعر قوية وغير عقلانية من الازدراء، العداوة، أو البغض تجاه المجموعة المستهدفة، وإن كلمة "دعوة " تعني وجود نية لترويج البغض للفئة المستهدفة وبطريقة علنية.
واعتبرت مبادئ كامدن "إن كلمة تحريض تشير إلى التصريحات حول المجموعات القومية أو العرقية أو الدينية والتي تؤدي إلى خطر وشيك لوقوع التمييز أو العدائية أو العنف ضد أشخاص ينتمون إلى هذه المجموعات" مستثنية أي ترويج ايجابي لهوية مجموعة معينة من اعتباره خطاب كراهية .
منهجية الرصد في تحديد خطاب التمييز والتحريض والكراهية:
يؤكد فريق الرصد في مركز حماية وحرية الصحفيين على التزامه بمبادئ خطة عمل الرباط الست باعتبارها المعايير الأكثر قبولا على المستوى الأممي لكونها صيغت بتقنية عالية وواضحة للمساعدة في الفصل ما بين خطاب حرية الرأي والتعبير وخطاب الكراهية.
واشترطت خطة عمل الرباط حتى يكون أي خطاب هو خطاب كراهية أن تتوافر فيه الِحدَّةَ لكونها الاعتبار الذي تستند إليه معاييرها الست، كما وينبغي أن يشير التحريض على الكراهية إلى أكثر أشكال الازدراء حدّة وتأثيرًا في النفس.
ولغايات تقييم حدة الكراهية شددت خطة عمل الرباط على ضرورة أن يشمل التقييم قساوة ما يُقال أو الضرر الذي يُدعى إليه، ودرجة تواتر الاتصالات وحجمها ومداها.
أما المعايير الست التي وضعتها خطة عمل الرباط فهي:
1 ــ السياق: ويقصد به التعبيرات والكلمات التي تتضمن:
• التحريض على التمييز أو العداوة أو العنف ضدّ المجموعة المستهدَفَة.
• أن يكون لها تأثير مباشر على النية و/أو العلاقة السببية على حدّ سواء. مشترطة مراعاة الوضع الاجتماعي والسياسي السائد عند صدور الكلام ونشره.
2 ــ المتحدث أو منشئ الخطاب:
• وضعه الاجتماعي ومركزه القانوني.
• حالته في المجتمع، وإن كان سياسيا او حزبيا أو مسؤولا.. الخ
3 ــ النيّة:
• افتراض توافر النية في الدعوة للتحريض التزاما بنص المادة 20 من العهد الدولي.
• اشتراط تفعيل العلاقة ثلاثية الزوايا بين غَرَض الخِطاب وموضوعه وجمهور السامعين عند معالجة الحالة.
4 ــ المحتوى أو الشكل:
• مدى قصديته المباشرة.
• مدى استفزازه المباشر للجمهور.
• التركيز على الشكل والاسلوب والأمثلة والحجج المستخدمة.
5 ــ مدى الخطاب:
• تأثير الخِطاب.
• طبيعته العامة.
• حجم جمهوره.
• علنية الخطاب.
• وسائل النشر.
• حجم ردات الفعل.
• فيما إذا كان لدى الجمهور وسائل للتصدي للتحريض.
• ما إذا كان البيان (أو العمل الفني) قد عُمِّم في بيئة محصورة أم مفتوحة على نطاق واسع لعامة الناس.
6 ــ الأرجحية:
• مدى احتمالية تأثير الخطاب لاحقا.
• ترجيح مدى الخطر الذي يمكن أن ينتج عنه.
• مدى نجاحه أو فشله ضد المجموعات المستهدفة باشتراط مراعاة أن يكون هذا الخطاب مسببا لردة فعل مباشرة.
واعتمد فريق الرصد وضع جدول تضمن المعايير الست لخطة عمل الرباط ووزن ما ورد في المواد الصحفية بميزان هذه المعايير التي ساعدت تماما في تحديد وتصنيف الموضوعات التي تجاوزت الحد الفاصل بين خطاب التعبير إلى خطاب الكراهية والتحريض والتمييز.
النتائج
أظهرت نتائج الرصد والتوثيق لعينة الرصد نشر (574) مقالا، منها (187) مقالا في الصحف اليومية الورقية وبنسبة بلغت (32.6%) في حين بلغ عدد المقالات أن نشرتها الصحافة الالكترونية (387) مقالا وبنسبة (67.4%).