حول ما جرى في وزارة الزراعة

مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/26 الساعة 01:00
العنف اللفظي وأحيانا الجسدي جزء من طبيعة البشر، مع فروقات نسبية تتعلق بالقدرة على التحكم بالانفعال وضبط الأعصاب ،وخلال السنوات العشر الماضيات ، حدث في مجتمعنا أعداد يصعب حصرها من المشاجرات التي وقعت في مختلف القطاعات، في الجامعات والمدارس والبرلمان والوزارات، والمؤسسات الاعلامية والصحفية والنقابات والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، وعلى مستوى العالم أيضا لا يوجد بلد يخلو من مظاهر العنف، وفي الولايات المتحدة مثلا وخلال شهرين فقط ، أطلق الرئيس ترامب عدد ا غير مسبوق ومستهجن، من التصريحات و»التغريدات « العنيفة والمستفزة ضد زعماء وسياسيين ومؤسسات قد تختفي مظاهر العنف من الحياة اذا قامت «الروبوتات « بدور البشر ،كما تشير دراسة حديثة ان 66 % من البريطانيين ،يتوقعون أن تتولى «الروباتات» مناصب سياسية بحلول عام 2037.

وبحكم اهتمامي بالقطاع الزراعي ،حاولت البحث عن خلفيات للخلاف الذي وقع قبل عدة أيام بين وزير الزراعة خالد حنيفات ، ورئيس اتحاد مزارعي وادي الاردن عدنان الخدام ،والتي وصفتها الوزارة والاتحاد في بيانين منفصلين ، بخلاف في وجهات النظر و»حوار مهني» ومن الطبيعي أن تتعدد الروايات وفق كل طرف حول أسباب المشاجرة المهنية، والشرارة التي أشعلت الاجتماع الذي كان يرؤسه الوزير ،ويضم العديد من الاطراف المعنية بالقطاع الزراعي.

وقد استمعت خلال الأيام الماضية في مناسبة عزاء بالأغوار ،للعديد من الروايات والتفسيرات ،ومن قبيل الطرافة سألت الدكتور مصطفى الشنيكات وزير الزراعة الأسبق ،عما اذا كان يحدث خلال فترة توليه الحقيبة الزراعية «مشاجرات» ،فأكد لي أنه كان يواجه خلال زيارات ميدانية بعنف لفظي من قبل بعض مزارعين.

سبق أن التقيت وزير الزراعة الحالي أكثر من مرة ،بضمنها سفرة مشتركة الى تركيا، ولمست أنه على قدر كبير من التهذيب والهدوء والجدية في العمل ، وجرب عمليا عندما كان رئيسا لبلدية الطفيلة، كما أعرف السيد الخدام ، وهو رجل متحمس لخدمة المزارعين والدفاع عن مطالبهم ،وبطبيعة الحال فإن الجهة المعنية بالمطالبة هي الحكومة من خلال وزارة الزراعة.

مشكلات القطاع الزراعي مزمنة ،والسياسات الزراعية تدور في حلقة مفرغة منذ ثمانينات القرن الماضي، وكما تراكمت المديونية على الدولة نتيجة سياسات خاطئة ومرتجلة، غرق غالبية المزارعين بالمديونية ،وعدد كبير منهم صدرت بحقهم أحكام قضائية، ولعل أهم مشكلتين تواجهان القطاع الزراعي «أزمة التسويق» وهي شبه دائمة، ثم ارتفاع كلفة الانتاج بكل ما تعنيه من مواد زراعية.. أسمدة ،بذور ، مبيدات وأيدي عاملة.. الخ.

وبالنسبة لاتحاد المزارعين في وادي الأردن ،فهو إطار نقابي للمزارعين في الأغوار تم انشاؤه عام 1974، قبل أن يصبح جزءا من الاتحاد العام للمزارعين الاردنيين الذي تم انشاؤه عام 1997، وقد تابعت نشاطات اتحاد مزارعي وادي الأردن منذ عملت في الصحافة عام 1983 ، وكان له حضور لافت بين المزارعين، وأذكر أن أهم نشاطاته كان استيراد مدخلات القطاع الزراعي وبيعها للمزارعين بأسعار مخفضة وبتسهيلات بالدفع ،وبذلك عمل كمنافس ايجابي للشركات الزراعية ،ونتج عن ذلك تراكم الديون على المزارعين للاتحاد، وكان والدي- رحمه الله - أحد أعضاء الاتحاد ، وبعد وفاته تبين أنه مدين له بألف دينار، ولم يتم إعفاؤه منها بل انتقلت الى الورثة.

لم يعد الاتحاد كما كان وتراجعت إمكانياته ، وانتشرت الكثير من المتاجر التي تبيع مستلزمات الانتاج للمزارعين بالدين، وذكر لي بعض أصحاب تلك المحال أن ديونه على المزارعين تجاوزت مليون دينار! وذلك يعكس حجم الكارثة التي يعانيها القطاع.

بعد كل هذه السنوات يبدو لي أن دور الاتحاد بات محصورا بتمثيل المزارعين، في الاجتماعات المتعلقة بمناقشة مشاكل القطاع والبحث عن حلول، واصدار البيانات ورفع الصوت بالاحتجاج وتنظيم الاعتصامات عندما تتفاقم المشكلات المتعلقة بالتسويق والعمالة الوافدة. وبظني أنه لا بد من البحث عن صيغة لتطوير آليات عمل الاتحاد ، لكي يكون جسما فاعلا وليس مجرد «هيكل» يصرخ من شدة الوجع ! ولتكن مشاجرة وزارة الزراعة مناسبة لإطلاق مبادرات لإعادة الاعتبار للقطاع الزراعي، وقد سبق أن طرحت فكرة إنشاء شركة مساهمة عامة يساهم فيها المزارعون تعنى بتسويق الانتاج الزراعي وتصديره ، كما أن فكرة إنشاء جمعيات تعاونية تسويقية للمزارعين جديرة بالاهتمام.

الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/03/26 الساعة 01:00