لا إفراط في التوقعات ولا تفريط بالتفاؤل
اكثر من قضية ساخنة قيد النقاش في قاعات التحضير الأولية لاجندة قمة عمان، وكلها تشير الى ان العقل السياسي الرسمي يمسك بمفاتيح التحضير جيدا دون افراط في التوقعات ولكن دون تفريط بالتفاؤل وخاصة على الملفات التي تمس الحياة الداخلية للاردن بفضل ارتدادات احداث الاقليم والجوار بشكل خاص، فتعريب قضية اللاجئين باتت محسومة وعلى اجندة القمة، وكذلك بات مقبولا حد اللحظة طرح ملف تجميد عضوية سوريا من الجامعة العربية من اجل عودتها، فكل الحلول المطروحة على طاولة الازمة السورية تبدو هلامية ورخوة طالما بقي المقعد السوري فارغا في جامعة الدول العربية، كما ان استمرار الحديث مع الطرف الروسي كممثل عن النظام السوري يحمل اكثر من خطورة تشتمها الحاسة الاردنية السابعة وليس السادسة فقط، لان ذلك يعني ببساطة ان الاطراف الايرانية واذرعتها العسكرية ستكون على مرمى بصر وحدود الاردن وهذا ملف مرفوض اردنيا، وجرى تفهمه من الجانب الروسي والجانب السوري الذي يستقبل اشارات عمان الايجابية بترحيب حذر .
رهان الاردن الرسمي في القمة على دعم عربي لعودة الحياة الى المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية ليس لانه الملف المنسي طويلا مما ساهم في تكليس اطرافه ومفاعيله فقط بل لان المتغيرات الجارية على الارض تستوجب سرعة الاستعداد لهذا الملف وتثبيت اوراقه حسب الرؤيا العربية وليس حسب الرواية الاسرائيلية التي تضع اوراقها اليوم على طاولة الادارة الاميريكية الجديدة والخشية الاردنية ان تكون هذه الرواية هي المتفردة والمنفردة على طاولة الادارة الامريكية كما قال وزير الخارجية ايمن الصفدي لكاتب المقال وهو في طريقه الى الدوحة صباح امس، فالتفاعلات على المسار الفلسطيني نشطة جدا وثمة استدارات في مواقف الفصائل الفلسطينية وتحديدا المرتبطة بالمحور التركي تؤكد الخشية الاردنية وترفع من ضرورة الاستعداد لها من خلال دعم الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يحظى وحده بدعم عربي على خلاف ما يتردد من خصومه بل لعله ممسك بخيوط كثيرة لا تراها اعين خصومه ومريديه على حد سواء، لذلك استهلكت الديبلوماسية الاردنية طاقة كبيرة لاقناع القيادة المصرية بتجاوز تفصيلة الوضع الفتحاوي الداخلي في لقاء السيسي – عباس وقبلها استهلكت طاقة في اقناع الرئيس الامريكي ترامب وضرورة اتصاله بالرئيس عباس.
كل التخوفات التي يجري الحديث عنها في الاوساط السياسية من رفع سقف التوقعات الى الخشية من ضعف التمثيل العربي في مستوى حضور القمة يتم التعامل الحيوي معه من قبل الديبلوماسية الاردنية وعلى مستويات متقدمة، وثمة وعي متقدم في التقاط كل الملاحظات والهواجس والتعامل معها بجدية ومسؤولية فرهان الاردن على القمة رهان موضوعي دون تزيّد او انتقاص وهناك اصرار يمكن رصده بسهولة من اجل وضع الملفات التي تؤثر على الحالة الاردنية على طاولة البحث المنتج وليس على قائمة الاستهلاك الرسمي او ابراء الذمة الرسمية، فالقرار باحتضان القمة بعد موجة الاعتذارات العربية لم يكن تبرعا في لحظة شغف او استحضار بطولة بقدر ما كان التقاطة ذكية من العقل الرسمي الاردني الذي يعرف بواطن قوته ومواضع ضعف الاخرين، فتصدى للقمة كي يضع ملفاته المحلية والقومية على الطاولة لانتاج فضاء حواري متقدم على الحالات السابقة للقمم العربية مستفيدا من عقدة وتعقيدات اللحظة القومية بكل تفاصيلها .
ثمة تفاصيل كثيرة ومستويات من الحضور الدولي ملفتة لا تستدعي قراءة القمة بالعقلية السائدة، على الاقل من خلال سلوك العقل الرسمي الاردني، الذي يستشعر القلق من القادم؛ ما احيا غرائزه الذاتية في البقاء وجعله يندفع بالطاقة القصوى لدق جدران الخزان العربي على امل الاستفاقة العربية وتجاوز الخلافات البينية التي اسهمت في اضعاف الحضور العربي حد تلاشي الاثر وتلك هي الخشية الاردنية التي تستحق الدعم والمتابعة.
الدستور