سيناريو صدام حسين مجدداً
تمر تركيا بظرف حساس جدا، خصوصا، مع ردود الفعل الأميركية والأوروبية والعربية ضدها على خلفية دخول قواتها الى مناطق شمال سورية، في عملية عسكرية اعلن الاتراك مسبقا انها موجهة ضد تنظيم الدولة الإسلامية ووحدات حماية الشعب الكردية التي تنشط ضمن قوات سورية الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة
الاميركيون جن جنونهم-او هكذا يدعون على الأقل- والرئيس الأميركي يهدد بمحو الاقتصاد التركي، أي تدمير تركيا عبر العقوبات التي قد لا يحتملها الاقتصاد التركي، وواشنطن التي تتهمها بعض الدول بتنسيقها السري مع انقرة حول العملية التركية من اجل الضغط على نظام دمشق والمحور الإيراني الروسي، وللتخلص من عناصر تنظيم داعش تعلن على لسان وزير خارجيتها انها لم تمنح الاتراك أي موافقة مسبقا، وتتبرأ من مباركتها للعملية
بالمقابل يشن الأوروبيون حملة ضد الاتراك ويهددون بوقف منحة المساعدات المالية لتركيا لتمويل اللجوء السوري بقيمة ثلاثة مليارات دولار، مما يدفع الرئيس التركي الى تهديد الأوروبيين بفتح حدود بلاده المجاورة للقارة الأوروبية لثلاثة ملايين لاجئ، وهو أيضا يؤكد أن العملية ليست موجهة ضد الاكراد كعرق، وان لها غايات محددة
العالم العربي أيضا، اصدر بيانات ضد الاتراك، وبعض العواصم اعتبرت الخطوة بمثابة احتلال، والاجتماعات سيتم عقدها على مستوى جامعة الدول العربية، والتي سوف يسبقها اجتماع لمجلس الامن، وهكذا يبدو واضحا ان تركيا على صفيح ساخن، امام هذا المشهد الخطير، الذي يمكن وصفه بالأكثر خطورة في مرحلة الرئيس التركي الحالي، الذي يواجه ظرفا غير مسبوق من حيث الحسابات الداخلية والدولية، واجتماع الخصوم عليه
ما يمكن قوله اليوم، ان دخول سورية، قد يتحول الى فخ لتركيا، خصوصا، امام هذا التصعيد الدولي، وهو تصعيد قد لا تكون ايران ذاتها ضده، ولا النظام السوري، ولا حتى الروس، حتى لو كان لكل طرف حسابات محددة ترحب ظاهرا من زاوية ما، بدخول الاتراك الى شمال شرق سورية، على أساس مؤقت، من اجل تطهير هذه المناطق شريطة الخروج لاحقا، بما يعني فعليا إعادة هذه المناطق الى النظام، وهو امر لم تعلن تركيا نيتها فعله ابدا، اذ تعتزم إقامة منطقة امنية واسعة، وإعادة توطين اللاجئين السوريين العرب السنة في مناطق الاكراد بما يعني إعادة هندسة جغرافيا اللجوء لصالح حسابات تركية طويلة الأمد
لكن هل سيترك العالم الاتراك من اجل تحقيق غايات عمليتهم العسكرية، ام انهم سيحاولون التخلص من الاتراك عبر فخ شمال شرق سورية، وهذا سؤال لابد ان الاتراك استعدوا له جيدا وبشكل مسبق، وقد يكون لديهم سيناريوهات من اجل عدم التورط طويلا في هذا المستنقع، حتى لا يطبق العالم عليهم، بذريعة احتلال بلد آخر
يمكن القول بكل بساطة ان الاتراك سواء بقوا في شمال شرق سورية فترة قصيرة جدا، او استمروا لفترة أطول، باتوا امام سيناريو شبيه بدخول العراق الى الكويت العام 1990 في مرحلة صدام حسين، وليس ادل على ذلك من طبول الحرب التي تقرع في كل مكان ضد تركيا، بسبب دخول سورية، هذا على الرغم من الموقف السلبي على المستوى العالمي من النظام السوري، الا ان هذا العالم وبشكل مفاجئ بات حريصا على وحدة الأرض السورية، وعلى عدم تضرر مكونات الشعب السوري، وعدم إيذاء المدنيين، وهي عناوين يرفعها العالم للتعمية عن غاياته الأساس، التي يمكن تلخيصها برغبته بالخلاص من اردوغان
تركيا امام مفرق طرق، وعلينا ان نستبصر كيف سيدير الاتراك هذا المشهد، واذا ما كانت انقرة قادرة على الخروج من هذا المشهد بأقل الخسائر، او منتصرة، او ان العالم يريد لها البقاء في هذا الفخ
الغد