التعلیم العالي وسؤال المستقبل والتحدیات

مدار الساعة ـ نشر في 2019/10/03 الساعة 00:51

الكاتب: زيد النوايسة

مرة أخرى یطرح السؤال المهم حول مستقبل سیاسات التعلیم في الأردن بشكل عام والتعلیم العالي تحدیداً خاصة بعد نتائج الثانویة العامة هذا العام، وهي بالمناسبة الأغرب في تاریخ هذا الامتحان الوطني الذي لا یمكن إنكار أنه اكتسب تاریخیاً مصداقیة وموثوقیة على المستوى العربي والعالمي وانعكس ذلك على طبیعة المخرجات التي أثبتت حضورها وتمیزها في مختلف الحقول والمجالات.

ویعزى الفضل الكبیر للتعلیم المدرسي أولاً لأنه كان للتربیة والتعلیم استراتیجیة ثابتة وواضحة وبعیدة عن المغامرة والتجریب الذي یتخذ من عنوان براق وهو التحدیث ومواكبة كل ما هو عصري ولكن النتائج تثبت خلاف ذلك.

ارتفعت معدلات طلاب الثانویة العامة هذا العام وتوسع القبول في الجامعات الحكومیة بشكل غیر مسبوق بحیث استوعبت عن طریق القائمة الموحدة ما یتجاوز 52 ألف طالب وطالبة، وربما یزید هذا الرقم إذا ما تم إضافة الذین قبلوا عن طریق البرنامج الموازي والمكرمات المختلفة ویبدو هنا الحدیث والتساؤل مهماً عن مدى نجاعة استمرار العمل بنظام القبول الجامعي الموحد الذي یساوي بین كل الجامعات وهو نظام لم یعد معمولاً به عالمیاً وتراجعت عنه العدید من الدول خاصة في ظل تزاید الحدیث عن تكریس استقلالیة الجامعات التي ما زالت تبحث عن هویتها الحقیقیة إن كانت هي مراكز للبحث العلمي والتمیز والمعرفة أو مراكز لاستیعاب حملة شهادات أكادیمیة علیا باحثین عن فرص عمل لا أكثر ولا أقل بحیث یغدو الحدیث عن التنافسیة في البحث العلمي آخر سلم الأولویات لدى صناع القرار في التعلیم العالي.

یضاف لكل هذا التوسع غیر المدروس في إنشاء الجامعات مما یمثل مشكلة حقیقیة بحیث أصبح لكل ثلاثمائة ألف مواطن جامعة، وتراجعت الجامعات نفسها نتیجة ضغوط المجتمعات المحلیة ونفوذ ممثلیها السیاسیین عن الغایات والمبررات التي أنشئت من أجلها في الأصل وخاصة الجامعات التي أنشئت في الأطراف تحت عنوان تطویر التعلیم التقني والمهني وبما یتناسب مع الاحتیاجات المحلیة والعربیة والعالمیة وبما یتواءم مع الاستراتیجیة الوطنیة للموارد البشریة لتتحول لنسخ طبق الأصل عن الجامعات الموجودة أصلاً فراكمت الخریجین في الحقول الأكادیمیة والإنسانیة تحدیداً لیلتحقوا بركب الباحثین عن العمل الذین تجاوزت أعدادهم هذا العام ثلاثمائة ألف متقدم مسجل لدى دیوان الخدمة المدنیة في الوقت الذي لا تستطیع فیه الحكومة استیعاب وفي قطاعات محددة كالتربیة والتعلیم والصحة مما یتراوح بین 10 آلاف الى 15 ألف فرصة عمل كأقصى حد.

هنا یبدو ضروریاً وملحاً السؤال مجدداً حول جدوى وجود استراتیجیة وطنیة واضحة للتعامل مع خریجي الجامعات الذین سیحملون شهادتهم ویتوجهون لسوق العمل المثقل أصلاً بمئات آلاف الباحثین عن فرص العمل خاصة في التخصصات الإنسانیة التي ینتظر خریجوها عشرات السنین لینالوا فرصة عمل؛ وذلك بفعل حجم نسبة الملتحقین بالتعلیم الجامعي الذین یشكلون 70 %في الحقل الأكادیمي على حساب المهني والتقني.

كل هذا یجري في ظل وجود أزمة مالیة تتفاقم وتواجه معظم الجامعات الحكومیة ولا یوجد في الأفق أي ملامح لتجاوزها خاصة والمالیة العامة للدولة منهكة وتعاني من مدیونیة غیر مسبوقة.

علینا أن نعترف أن التعلیم یعاني من أزمة ویحتاج وقفة حقیقیة تتضمن منظومة إصلاح شاملة تكون قادرة على معالجة كل الاختلالات وهي أعمق من تغییر رؤساء مجالس الأمناء أو تغییر رؤساء الجامعات لأن القضیة أبعد من الحسابات الشكلیة والشخصیة.

الغد

مدار الساعة ـ نشر في 2019/10/03 الساعة 00:51