احموا الدولة والقانون قبل أن تندموا
لا نقبل انكسار المعلم؛ ولا شيطنته، ولا إهمال مطالبه التي نتفق عليها جميعا، لكننا نبغض ونعادي من يبتزنا ويشيطن من يعترضون على اسلوب المعلم بل مجلس نقابته في تحصيل هذه المطالب، ولمن لا يعرف موقفي القديم من وجود نقابة معلمين فهو الرفض لوجودها أساسا، وهو رأيي قبل أن تتأسس بقانونها الحالي المثير للجدل، والذي جاء كصفقة سياسية..حيث زاد قانونها من فرصة استخدامها كأداة جدلية قابلة للاستخدام في سوق السياسة، رغم كونها نقابة مهنية معنية بتحسين أوضاع منتسبيها والدفاع عن مهنتهم، فإذا بها نقابة ناشئة تدل الأزمة الحالية على افتقار من يديرها لبدهيات العمل النقابي والسلوك الديمقراطي القانوني في تحصيل المطالب، ويكفينا للتدليل على هذا الإشارة الى بدايات هذه الأزمة المتصاعدة بينها وبين الدولة الأردنية، ممثلة بالحكومة من ناحية، وبين مجلس نقابة المعلمين من الناحية الأخرى، ومروحتان من الاصطفافات مع كل طرف، حيث لا يمكن اعتبار سلوك النقابة صحيحا ومنذ الساعات الأولى لاشتعال الأزمة، بالاعلان عن اضراب مفتوح أشرف على طي الشهر الأول من عمره وطي شهر واسبوع من العام الدراسي في مدارس المملكة الأردنية الهاشمية، فالعمل النقابي السليم يقتضي استخدام وسائل قانونية وديمقراطية متسلسلة لبلوغ المطالب ليس من بينها تعطيل الأطفال عن الدراسة ومنعهم من دخول المدارس، وليس عملا نقابيا الذهاب الى الحلقة الأخيرة خلال ساعة من بداية الأزمة، ثم التمترس هناك والاضطرار للدفاع عن هذا الخطأ، بمزيد من أخطاء تجعل من العودة والتنازل أمرا صعبا على من تجشم مثل هذا القرار الصدامي الحادّ.
وأكثر من هذا لا نقبل انكسار الدولة وهيبتها مهما كانت الأسباب، لأن قبولنا لهذا يعني تلاشي هذه الدولة ودستورها وقانونها ولا مجال للحديث عن هيبة المنكسر، وعدم قبولنا لانكسار الدولة ليس من باب المرجلة أو العمل الإضافي او الفزعة المفاجئة، بل هو مبدأ ثابت بالانتماء لهذه الدولة مهما كانت ضعيفة أو مفلسة أو مشتبكة في قضايا وأزمات .. فانكسار دولة يعني انكسار مواطنها وفراغ نفسه وعقله من أية ثقة في بلده ومجتمعه، وحين تكون الحكومة هي السلطة التنفيذية للدولة، فتأييدنا لنصرة الدولة ووقوفها صامدة لا يعني بالضرورة دفاعنا عن الحكومة، أو يعبر عن رضانا بأدائها، فالدعم للحكومة في الحفاظ على الدولة والقانون هو دعم للدولة وحماية لمستقبل المجتمع والمؤسسات..
الاضطراب النفسي العرمرمي الذي نشعر به هنا وهناك، وتزخر به تفاعلات المجتمع منذ شهر مضى، أخذ أمس بعدا جديدا، بعد أن قررت الحكومة القيام بواجبها الدستوري في حماية الدولة، حيث لجأت للقانون، وأضافت على خيار الحوار مع النقابة واجبها وليس خيارها وهو تطبيق القانون، حيث صدمنا بالتصرف الغريب الذي صدر عن بعض المعلمين والمعلمات، حين صدّوا الأطفال عن مدارس الدولة بدعوى الاضراب، وأوامر مجلس النقابة وكأنهم يعملون في شركته الخاصة، بينما لا احترام أو ذكر أو هيبة لقانون الدولة الذي على أساسه أصبحوا موظفين في القطاع العام، أمر يدعو حقا للاستهجان والتندر أيضا، فهل اقتنع هؤلاء الموظفون بأن المدارس ملكهم الخاص؟ أم تراهم أيقنوا فعلا ما يردده بعض الخارجين عن كل منطق بأن الحكومة لا تمثل سوى رهط من فاسدين أصبحوا بحكم محتلين للبلاد ولا يمكن التفاعل بغير الرفض مع قانونهم وتوجيهاتهم وقرارهم؟!
المفهوم الذي تاه تماما وغاب عن النفوس والعقول متعلق بحقوق الأطفال الأردنيين بالتعليم، واعتبار الأمر ثانويا مهملا ولا يذكره الذاكرون الا في نافلة القول، وننسى جميعا بأن الدستور يحتم تعليم الأطفال على الدولة وولي أمر الأطفال الأردنيين وغيرهم من المتواجدين على أراضيها وضمن مسؤولياتها، حتى الدول المحتلة لدول أخرى لا تصادر حق تعليم الشعب المحتل وأطفاله، فكيف أصبحنا نتجاوز عن حق الطفل في التعلم وواجب الدولة في رعاية شعبها وحقوقه ومصالحه؟!..علما أن الطفل محسوب على فئة الفقراء وقليلي الفرص.
الحكومة ماضية في القيام بواجبها ولو كلفها هذا حلّها، ومجيء حكومة أخرى، فهي لا تقبل التخلي عن مسؤوليتها الدستورية التي تعهدت بها أمام الشعب والملك، وعلى أساسها نالت ثقة مجلس الأمة بشقيه، رجال الدولة الفعليون ينتصرون لها حتى لو كلفهم هذا فوق مستقبلهم حياتهم الشخصية، وإن لم يسعف الناس الآن الحديث عن هذا الموقف المنافح عن الدولة من قبل الحكومة، فهم سيذكرونه في المستقبل حيث لا يصح الا الصحيح.
الذي يعمل في العمل العام ويطل على السياسة وبناء الفكر والتاريخ، ويحترم القانون ويتعامل بديمقراطية يمكنه القول بأن الذي يجري صحي وطبيعي، ما دام لن يؤثر على الدولة أو يمس استقرارها وهيبتها، ويفهم بأن حق الأطفال بالدراسة أكثر قداسة من صرف المال للموظفين، وحري بنا جميعا ان نقوم بأمانة رعاية أبنائنا فنحن المسؤولون عنهم قانونيا وأخلاقيا وشرعيا، وإن ارتضى ولي أمر التفريط بحقوق أبنائه من أجل الانتصار لجهة سلكت التصعيد منذ بداية الأزمة ويريدون مالا، فعليهم أن يسجلوا في ذاكرتهم هذا الموقف، ولا يتبرموا أو يتذمروا حين يتقهقر أبناؤهم أكاديميا وعمليا وربما أخلاقيا، فهم من تقاعس في رعايتهم، وكان وما زال مطلوبا منهم الحرص على أداء أمانة تربيتهم وتعليمهم.
حفظ الله الوطن وأبناءه وهداهم وأعاد بعضهم الى الرشد.
الدستور