حركة المجتمع ولواقطنا السياسية

مدار الساعة ـ نشر في 2019/10/01 الساعة 05:34
م نكن «نرجم» بالغيب، حين اشرنا منذ سنوات أن خيار الاصلاح بما يتضمنه من تغيير لقواعد اللعبة السياسية، وبناء لمرحلة انتقالية جديدة، اصبح ضرورة وطنية, وبأن «الازمة» الاقتصادية لا يمكن تجاوزها بدون الدخول في «جوهر» السياسة، ولم نغفل حين بدأ المعلمون اضرابهم عن رؤية ما حدث من ارتدادات ، وما قد يحث ايضا من اشتباكات ليست في مصلحة احد، الا الذين يسعدهم ان ينقسم المجتمع ليظلوا في مستنقع فسادهم يعزفون الحانهم على حساب الناس ومعاناتهم.
كان يفترض ان نفهم انه من الطبيعي ان يتحرك المجتمع بعد كل هذه التراكمات والازمات ( في اي وقت) للدفاع عن نفسه، او ان يرفع الناس ( لا المعلمون فقط) اصواتهم للمطالبة بحقوقهم، او ان تواجهنا ازمات ومشكلات تستعصي احيانا عن الحلول الجاهزة ووصفات التأجيل او «تطييب الخواطر» ، لكن شتان بين ان نتعامل مع هذه الحركة الطبيعية وما تفوزه من اسئلة واستفهامات وانسدادات ايضا بمنطق الاستيعاب والبحث عن حلول مقنعة وجذرية ، وبين ان نقف عاجزين او مكتوفي الايدي فندفع المجتمع للدخول فيما يشبه حرب الاستنزاف، وكأن الكل يريد تصفية الكل، او كأن حالة من الثأر تدفع الاطراف الى الانتقام من بعضها .
حين نتعامل مع حركة المجتمع بمنطق «حلول الثقة» فان هذه الحركة غالبا ما تسير بايقاع متوازن، ويقف وراءها «قوى» معتبرة من حيث المصداقية والموثوقية، ثم تكون اتجاهات بوصلتها محددة بدقة نحو المصلحة العامة، لكن ما حدث لم يكن -في معظمه - كذلك للاسف ، فقد عكست هذه المخاضات ازمة سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة، واخرجت من المجتمع اقسى ما فيه من غضب ، وولدت حالة من الوجوم والصدمة والخوف، وبالتالي جاءت رسائلها مزدحمة بما لم نألفه في مجتمعنا من تلاسنات واوصاف والغاز، كما انها عكست اتساع فجوة الثقة بين افراد وبين مؤسساته والدولة ايضا.
المشكلة هنا ان المجتمع حين بدأ يتحرك بهذه الكيفية التي مثلتها «حالة المعلمين « ، سواء من تلقاء نفسه او بسب عوامل واطراف مستفيدة دفعته الى ذلك، لم يجد من المسؤولين اية ردود مقنعة، فقد ترك يعارك مخاضاته لوحده، فيما تعطلت «اللواقط» السياسية التي يفترض ان تستقبل ذبذباته وتفهمها،او تجد ما يناسبها من تصريف ، ولو حدث ذلك لانتهينا من الازمة باقل الخسائر ، وتجاوزناها باقل ما يمكن من رضوض واصابات.
اذا اتفقنا على ان حالة «مجتمعنا» صعبة، وان الدولة تتحمل مسؤولية تشخيصها وعلاجها، فان من واجبنا ان نسأل عن الاسباب التي اوصلتنا الى ذلك، وعن «المسؤولين» عنه، وعن المراجعة الضرورية التي يتوجب ان نذهب اليها، لا في اطار «طيّ الصفحة» وفتح صفحة اخرى على قاعدة «عفا الله عما سلف» ولا على قاعدة «المصالحة» التي تنزل بالبراشوت، وانما على قاعدة الاعتراف بالخطأ اولا، والاعتذار عنه ثانيا، ومحاسبة المسؤولين عنه ثم اجراء ما يلزم –بعد ذلك- من جراحات تضمن لمجتمعنا ان يستعيد عافيته.. وان يستريح بعد سنوات التعب والخوف.. والانتظار.
للاسف، حتى الآن ما نزال نقف على مدرجات «المتفرجين»، بعضنا لا يصدق ما يجري من تحولات في مجتمعنا، وبعضنا لا يريد ان يصدقها، وكل ما نتمناه ان نخرج من دوائر «الانكسار» هذه مهما كانت اسبابها، وان نواجه «حالة» مجتمعنا بما يلزم من اسعافات وادوية «سياسية» ومن استبصار وحكمة، فما نراه ليس «مزحة» ثقيلة الدم كما يصورها البعض، وانما «جدّ» لا هزار فيه!
الدستور
  • اقتصاد
  • معان
  • تقبل
  • سلف
مدار الساعة ـ نشر في 2019/10/01 الساعة 05:34