اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات احزاب وظائف للاردنيين رياضة أسرار و مجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

بطّيخة الجدار الفاصل

مدار الساعة: وكالة اخبارية مساحتها الكلمة الصادقة
مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/12 الساعة 18:30
مدار الساعة,تعديلات,كشوف,

د . عودة أبو درويش

دخلت تعديلات جديدة على حوشنا مثل أيّ حوش في المدينة، فقد بدأ استعمال طوب الإسمنت في البناء بدلا من طوب التراب الممزوج بالتبن. وكانت الغرف المبنيّة من الطين تصّف بجانب بعضها وتطّل جميعها على الحوش.

بدأ أبي يفكّر جديّا في اضافة غرفة من الاسمنت تكون قريبة من المدخل لاستعمالها غرفة لاستقبال الضيوف، لأنّا كنّا نستقبلهم في الغرفة الكبيرة، التي كان لا بدّ من استعمالها للنوم بعد أن أصبح عدد ساكني الحوش كبيرا.

أنهى البنّاء الذي على ما يبدو كان قد تعلّم صنعة بناء الطوب الإسمنتي حديثا ، لأنّه كان يردد أن عدم انتظام تربيع الغرفة تخفيه الكسارة، التي كنت أظنّها أداة ما. بعد اتمام بناء الغرفة كان لا بدّ من بناء جدار من طوب الإسمنت يفصل الغرفة الجديدة عن باقي غرف الحوش الطينيّة ، لنهيّئها لاستقبال الضيوف.

لا أعلم من الذي فكّر بطلاء الجدار قبل أن تتمّ كسارته بالإسمنت ، لكنّ أحد ما طلاه باللون الأخضر ، وكانت كلّ جدران البيت والغرف مطليّة بالشيد الأبيض ، لذلك كنّا نسميّه الجدار الفاصل أو الجدار الأخضر لنميّزه عن الجدار الذي يفصل بين حوشنا والحوش المجاور . كان لوجود الجدار فوائد كثيرة ، منها ربط حبال الغسيل ، وتشميس فراش النوم والأغطية بعد أيّام الشتاء الباردة لطرد الحشرات المرئيّة وغير المرئيّة ، والاختباء وراءه في لعبة الاختباء المفّضلة لنا نحن الصغار . و يستخدم في ليالي الصيف ليوضع عليه الوعاء الذي فيه البطّيخ كي يبرد، لأنّ تكنولوجيا الثلّاجة لم تكن قد دخلت بيتنا.


أحضر أبي بطّيخة كبيرة، من البطّيخ الذي كانت الأرض تنتجه من دون سماد اصطناعي ، حلو مثل السكّر وقلبه أحمر وبزره أسود لا يرمي الناس منه شيئا ، بل يتسلّون عليه بعد تحميصه . كالعادة قشّرت أمّي البطيخة وقطّعتها ووضعتها في وعاء مسطّح ، ثمّ رفعتها على الجدار الفاصل من أجل أن تبرد . كالعادة بعد العشاء يجتمع أفراد العائلة لأكل البطّيخ ، مع خبز الطابون الذي تكون جدّتي قد خبزته في الصباح ، وأحيانا مع الجبنة البيضاء . كنّا نلعب في الحوش ونركض ونختبأ خلف الجدار الأخضر . لم أستطع أن أقاوم اغراء قطع البطّيخ الحمراء ، خصوصا وأنّي كنت بحاجة لشيء يروي عطشي ، فقلت لنفسي ان أكلت قطعة واحدة فلن يلاحظ ذلك أحد ، أحضرت كرسيّ وتناولت واحدة ولم أنتبه الى أنّ أخي كان يراقبني.

أكل أخي أيضا قطعة، ثمّ ألتهمنا الثانية وكنّا نختارها من وسط الوعاء، تبادلنا النظرات بعد أن أصبح معظم البطّيخة في بطوننا . احسسنا بأنّ العقاب لا بدّ سيكون هذه الليلة شديدا . اجتمع أفراد العائلة بجانب الجدار الفاصل. شعرت برعشة في قدميّ . سألت أبي فجأة ، هل صحيح أنّ للبطّيخ مضار كثيرة ، أكثر من فوائده يا أبي. قال أبي مستغربا ومن الذي يقول ذلك . أجبت وبدون تردد ، وقد نسيت أننا في العطلة الصيفيّة ، المعلّم في المدرسة يا أبي يقول أننا نقشّر البطيّخ ونقّطعه ثم نضعه مكشوفا في الهواء لفترة طويلة ، فتهبط عليه الحشرات وتنقل اليه الأمراض التي تتسبب في آلام شديدة للإنسان الذي يأكله ، و انّ من يأكله بعد العشاء سيقلق في منامه وسيحلم أحلاما مزعجة.

أشار أبي بيده لأمّي من دون أن تؤثّر كلماتي فيه. قامت أمّي لتتناول وعاء البطّيخ. أحسّت بأنّه خفيف واكتشفت سريعا خطيئتنا . نظرت الّيّ وقالت وهي تشفق عليّ من العقاب ، لا بدّ أنّ كلام المعلّم صحيحا ، لذلك لن آكل البطّيخ . وضعت الوعاء سريعا ، حضنتني لتحميني من عقاب أبي الذي عدّل جلسته وابتسم ، ولكنّ باقي أفراد العائلة لم يغفروا لي ولا لأخي ، لأننا لم نتذكّر مضار البطّيخ الّا بعد أن أكلناه.

مدار الساعة: وكالة اخبارية مساحتها الكلمة الصادقة
مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/12 الساعة 18:30