الإشاعات.. لماذا تبقی حیة؟

في الأردن تتوالد الاشاعات بمتوالیة یصعب رصدها وملاحقتها فالقصص تبدو سهلة وصغیرة وعادیة عند حدوثها لكنها تتدحرج وتكبر بسرعة هائلة.

الاشاعات تطال سلوك الدولة وقرارات الحكومة وسمعة الاشخاص ومصداقیة المؤسسات ولا یوجد من یصدها او یضع حدا لتمددها.

الحكومات المتعاقبة ادركت هذا التحدي وعرفت مدى خطورته وحاولت معالجة بعض الابعاد وجوانبه. خلال السنوات الماضیة ومنذ أن ألغیت وزارة الإعلام تم استحداث حقیبة وزیر الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة وجرى تعیین ناطقین رسمیین في مختلف الوزارات والدوائر وتأسیس شبكة للناطقین اضافة الى التزام الحكومات بعقد المؤتمرات الصحفیة المنتظمة ودعوة الكتاب والشخصیات المؤثرة واطلاعهم على اعمال الحكومة وانجازاتها بشكل دوري.

مع كل هذه الاجراءات ما تزال الحكومات تواجه صعوبات كبیرة في تغطیة الاحداث والظواهر والقضایا التي تنشأ خارج أروقة الدوائر الحكومیة. قد یعود ذلك لأسباب یرتبط بعضها بضعف التنسیق والتواصل بین الاجهزة المعنیة واصرار البعض على احتكار المعلومات والاستحواذ علیها وحجبها عن الجهات المختصة بالاعلام اضافة إلى روح المنافسة وغیاب روح الفریق وما یولده ذلك من حساسیات بین اعضاء الفریق الحكومي او بین الافراد المكلفین بمتابعة الاحداث.

في مناسبات وحوادث وازمات كثیرة في عهد هذه الحكومة وسابقاتها كانت الاجهزة تتبارى في اظهار جهودها ومساهماتها على حساب الصورة الكلیة للدولة والحكومة.

في كل مرة تتصدى فیها الحكومات لمسألة من المسائل التي یستند فهمها وتحلیلها والتعاطي معها إلى الوثائق والسجلات التي تحتكرها تخفق في صیاغة قصة متكاملة ومقنعة وموثوقة لیظهر حجم التباین والاختلاف بین المسؤولین الذین یتصدون لحاجات الناس للمعرفة وإجابات الصحافة والجمهور على أسئلتهم..

خلال الایام القلیلة الماضیة انشغل الرأي العام الأردني بخبر عادي یشیر إلى ایقاف اعتماد الكویت وقطر لعدد من الجامعات الأردنیة التي كانت ترسل طلابها لها. مع ان هذا الخبر اجراء تقوم به كل الدول بما في ذلك الأردن إلا أن البعض اعتبر التعلیم العالي ومؤسساته وحدة واحدة وكأنها قبیلة تم الاعتداء علي شرفها فبدأ الجمیع بتشریح المؤسسات وبیان عیوبها وإلقاء اللوم على القطاع الخاص والمسؤولین عن تسییر الجامعات والحكومات وغیرها.

البیان الذي اصدرته الوزارة اقلق الشارع اكثر مما بعث على طمأنته ففي مقابلة مع إحدى وسائل الاعلام لم یعارض الوزیر ما قاله المذیع حول خبر منح إحدى الجامعات البكالوریوس لطالب قطري في ثمانیة أشهر الامر الذي غذى شكوك الجمهور واضعف ثقتهم وعمق من خوفهم وقلقهم على مصیر هذا القطاع الذي شكل أحد أهم انجازات الأردن في العقود التي تلت الاستقلال.

الاشاعات حول التعلیم العالي لیست الوحیدة هذه الایام فقد سرت في محافظة الطفیلة اشاعة تقول بهبوط طائرة عسكریة لنقل كمیات من الذهب الذي تم استخراجه من إحدى الخرب القدیمة. الفیدیو الذي التقط من مسافة بعیدة لطائرة هیلوكبتر انتشر بسرعة تفوق الخیال دون صدور بیان حكومي او التعاطي الموضوعي مع الحدث.

من وقت لآخر ترفع الحكومة والمؤسسات المختلفة شعار ”من حقك أن تعرف“. في حقیقة الامر یبدو الشعار براقا وحضاریا ومریحا ویوحي بالكثیر من الشفافیة والانفتاح والمساءلة ویبعث استخدامه على الطمأنینة. المدهش ان الناس لا یرون تطبیقا لهذا الشعار على الارض.. فیطلقون العنان لخیالاتهم لصناعة قصص وروایات یصلح الكثیر منها لأفلام الخیال والقصص البولیسیة والملاحم.

الغد