بطلت أدخن!

قبل أيام التقيت صديقا عتيقا «يعني من أيام الدراسة»، مد يده على جيبه وطلع باكيت دخان أجنبي، واشعل سيجارة، ودعاني على سيجارة لأدخن، اعتذر فقال لي: لا تدخن سيجارة أجنبية، و الا لانها أمريكية، لانه يعرف موقفي الايديولوجي منذ المراهقة من السياسي والعام وطنيا وعربيا وانسانيا. ضحكت، وقلت له أني اقلعت عن التدخين، وبمعني عامي «بطلت الدخان» من عامين، اصابته الدهشة قليلا لانه يعرف كم كنت نهما على التدخين، ومولع بالسيجارة صباحا ومساء.

الاقلاع عن التدخين يثير استغراب الكثير، والبعض يظن أنها عملية صعبة وجبارة نفسيا. هي تقديرات كل المدخنين الراغبين في الاقلاع عن التدخين. القرار سهل وبسيط، ولربما أكثر ما يحتاج الى ارادة وصلابة بالقرار دون رجعة.

اكثر ما يزعجك من الدخان الاخبار المتوالية عن اصدقاء مدخنين، قسطرة وعمليات قلب مفتوح، وتركيب شبكيات وغيرها من امراض مرتبطة بالتدخين. واصدقاء نفقدهم ويرحلون فجأة بسبب التدخين العادة اللعينة التي تفتك بجسد الانسان.

السيجارة في لحظة عمرية كانت تطفئ في الصدور غضبا ووجعا من أمور شتى، كانت تشتعل لمواجهة الذات بالعالم والاخر، وكان لهيب جمرتها لتسكين مواجع زمن رديء ومنحط وبائس وتعيس ومعدم، وما زالت مفاعليه على حالها الا أن السيجارة لم تعد قادرة على الاشتعال.

لست مستندا على دراسة أو احصائية رقمية علمية في هذا الرأي، الا أن الصحفيين أكثر شريحة تصاب بعلل القلب وامراضه، السيجارة واحدة من الاسباب الرئيسة، ويضاف اليها أيضا أسباب اخرى المناسف والعزائم، وهؤلاء من مزجوا سن اليأس السياسي والصحفي مبكرا.

الكتابة عن الدخان ليس رغبة في تذكر السيجارة وولعها السقيم. إنما هو نقل لتجربة فردية الى العموم في الاقلاع عن التدخين. فهي سهلة وعادية، وانصح كل الاصدقاء المدخنين. فمتعة الاقلاع عن التدخين توازي بل اشد واقوى لذة من التدخين نفسه.

الدستور