وادي الأكراد.. واد بهيبة جبل

للأحادیث التي تدور بین اهل السلط وجوارها مفردات خاصة. بعض الزوار قد یجدون صعوبة في فهم المعاني للمفردات والاسماء التي یستخدمها الاهالي. معرفة الاسماء وفهم مدلولاتها یساعد المستخدم على التكیف والاستمتاع بتجربة التفاعل ویكسبه الجنسبة الثقافیة للمكان.

في السلط حارة وواد ومیدان وعین وسلالم وجادور وعشرات الاماكن والمعالم التي یعرفها السكان والمقیمون. السلطیون یعبرون عن امتعاضهم بالقول ”شي غاد“ اي انصرف او ابتعد..

ویستخدمون مفردة ”ابیش “ للتعبیر عن عدم توفر المطلوب. ویتفنن الاهالي في استدعاء المفردات العتیقة للتعبیر عن هویتهم وخصوصیتهم بالكثیر من التفاخر والأنفة فقد یتعمد أحدهم استخدام كلمة ”مواعیني“ في إشارة الى التجهیزات او المستلزمات. الكثیر من المفردات المستخدمة یتعلمها الأبناء داخل الأسرة والحي والعشیرة ولا یجد امتدادا لها في المدرسة والإعلام وبقیة مؤسسات الإعداد والتنشئة الاخرى.

منذ ایام كان لي شرف تلبیة دعوة صدیق سلطي لإفطار رمضاني في مبنى تراثي في اقدم الاحیاء الشعبیة في المدینة. المقهى السیاحي الجمیل اصبح مقصدا للعدید من الزوار والاسر السلطیة التي تعوده للاستمتاع بمزایاه وضیافته التقلیدیة المستوحاة من تاریخه وهویته التي تطل من كافة جنبات المكان.

إذا لم تكن من موالید السلط او من طلبة مدرستها العریقة فقد لا تعرف عن قرب ”واد الاكراد“.

هذا المسمى یطلق على المنطقة التي تتقاسم جغرافیا المدینة مع المنطقة المقابلة لها والمسماة بالحارة. للواد الذي یشكل موطنا للعدید من العشائر السلطیة المعروفة تاریخ وقصص ومبان وتراث والكثیر من الروایات التي لم یسمع بها البعض.

في السوق السیاحي الواقع في قلب البلدة القدیمة تستطیع ان تستكشف السلط ماضیا وحاضرا وتقدر عبقریة اختیارها مكانا للسكن فالطقس معتدل والطبوغرافیا مؤنسة والجبال المحیطة تكسب الانسان شعورا خاصا بالراحة والأنس والطمأنینة التي قد لا یشعر بها في اماكن اخرى.

والتعلق الذي یظهره السلطیون بالمكان والألفة التي تحولت الى انتماء تحیط بك وانت تعبر جنباته وتولد لدیك احاسیس تستعصي على الوصف. فلا تقف عند ان المنطقة مكون من المكونات التي اذكت تعلق الساكنین بالمسكن وزادتهم تشبثا به وبالتاریخ الذي یقف وراء التسمیة والدلالات التي تلامس اطراف القدسیة والوفاء والحنین.

في السلط اعتزاز بالواد والمدینة لا یعتریه الشك ووحدة شكلتها الطبوغرافیا والمصاهرة والائتلاف. فما أن یجتمع السلطیون او یشاركوا في احتفال او فرح حتى تنبعث في نفوسهم رغبة الانتظام في حلقات الدبكة التي ینضبط اداؤها على ایقاع كلمات رویزق العربیات وصوت عمر العبداللات في الأغنیة الاكثر رواجا وتمثیلا للزهو والخیلاء السلطي الذي یحكي قصة الانسان والمكان ویؤكد على التنوع المفضي الى التكامل والغنى ”على طریق السلط.. یاما
مشینا.. وان تعبت الرجلین نمشي ع ادینا“، وصولا الى ”لا حارة ولا اكراد.. لا جبل ولا واد“.

واد الاكراد الذي أخذ اسمه من هویة قیادات الجند الذین اتخذوا من الواد موقعا لمخیمهم وهم یجهزون أنفسهم لدخول القدس بقیادة صلاح الدین الأیوبي ما یزال مسكونا بزهو الانتماء ومتمثلا لبعض العادات المقدسیة التي جرى إحیاؤها هذا العام.

في السلط ووادیها حیث عسكر الجند ورابط الجیش الذي نجح في استعادة شرف الامة وتحریر احد اكثر أماكنها قداسة ورمزیة یقیم شباب السلط تكیة جدیدة ویتطلعون الى التوسع في احیاء الكثیر من المظاهر التي ترمز الى تماسك وتكافل الامة.

الدخول الى منطقة واد الاكراد لا یحدث بلا تداعیات وملاحقة فمهما تكن اهتماماتك ومیولك وانشغالاتك فإنك لا تملك إلا أن تستسلم لسحر وارث المكان فتصمت علك تسمع بعضا من صهیل الخیل او أصوات القادة الذین خیموا في الوادي وهم یتفقدون الجند او یطلقون صیحات الحماس ودعوات النفور.

تحیة للمدینة العتیقة واهلها وعشائرها وروحها التي تسللت الى وجدان كل اردني.

الغد