متأخر كثیرا.. لكن لا بأس

حسب الخبر المفاجئ سیطلق الرئیسان السابقان طاهر المصري وأحمد عبیدات تجمعا سیاسیا جدیدا. وحسب الخبر ایضا فقد اجتمع ”المكتب التنفیذي المؤقت للتجمع الوطني للتغییر“ وقرر الإعلان رسمیا عن التجمع في مؤتمر صحفي یوم غد في مكتب د. لبیب قمحاوي الذي كان في وقت سابق إلى جانب عبیدات في تجمع للمعارضة ضم تنویعا من شخصیات قومیة مستقلة إلى ّ جانب أحزاب معارضة وجبهة العمل الإسلامي وهي كانت صیغة فوقیة هشة تعلن مواقف وبیانات، ولا اعرف بالضبط كیف انتهت لكن اعتقد ان الربیع العربي جرفها مع وجود اطرافها في مواقع سیاسیة متناقضة جدا، خصوصا إزاء سوریة. وقد انسحب عبیدات تقریبا من المشهد السیاسي بالكامل إحباطا أو بسبب الشیخوخة باستثناء بعض المداخلات النادرة هنا أو هناك، حتى عودته المفاجئة مع طاهر المصري الذي لم یكن في أي وقت جزءا من ذلك التجمع القومي الإسلامي أو من أي مشروع شبیه، محافظا على مسافة معینة عن التحزب بأي اتجاه مع أنه كان كشخصیة دیمقراطیة نزیهة یدعم ویتعاطف مع كل مشروع یحاول توحید القوى السیاسیة الاصلاحیة في المجتمع.

لیس لدي أي فكرة عن خلفیة المشروع ولا أعرف كیف نضج القبول به من طرف كلتا الشخصیتین في هذا الوقت المتأخر ولم أفهم كیف ومتى أصبح هناك مكتب تنفیذي مؤقت ومن یضم وما علاقته بالتجمع القدیم ومن هي الشخصیات المشاركة والحقیقة لم أحاول إجراء أي اتصالات أو الحصول على معلومات لأنني أرید أن أكون مثل أي مواطن في موقع المتلقي للإعلان من دون أي معلومات إضافیة أتأثر بها لكتابة هذا التعلیق.

كنت سأتحمس للمشروع لو جاء قبل عقد ونصف مثلا . وقد حصل قبل اكثر من عقدین أن اشتغلنا بجهد حثیث على مشروع تجمع سیاسي وطني یضم هذه الشخصیات بالذات وكنا قبلها قد قمنا بجهود مضنیة لتوحید ”التیار الدیمقراطي“ في حزب موحد وطني برامجي یختلف عن الأحزاب ذات المرجعیات الأیدیولوجیة والعقائدیة التقلیدیة لكن المشروع دام لفترة قصیرة ولم یحقق اختراقا نوعیا وبدأنا نعمل على التشارك في مشروع تجمع أوسع مع الشخصیات آنفة الذكر وغیرها لاعتقادنا أنها ستعطي الثقل الوطني المنشود الذي لم یستطع الحزب تحقیقه لكن بالتزامن وقع انقسام داخلي في الحزب كان له تأثیر سلبي إلى جانب تردد الشخصیات الرئیسیة المستهدفة نفسها في المضي قدما. وواقع الحال بعد ذلك أن مختلف الصیغ التي كانت تظهر واسعة أو ضیقة تضم أطیافا مختلفة أو محددة لتیار واحد مقتصرة على أحزاب سیاسیة أو تضم شخصیات مستقلة بقیت هامشیة ولم تنجح في التأثیر. وكان الحكم الفیصل دائما هو الانتخابات النیابیة إذ تذوب تلك التشكیلات وتختفي نهائیا في الانتخابات كما لو أنها نشأت على مسرح ّ الظل تتبدد حین تضاء أنوار الحقیقة المرة فنرى فقط المشهد الحقیقي التقلیدي للمنافسة الفردیة والشخصیة المحلیة والعشائریة التي تنتج مجالس نواب من نفس النمط.

یبدو لي أن الزمن تقادم كثیرا لإحیاء صیغة كهذه رغم ما یحظى به المصري وعبیدات من احترام وتقدیر كبیرین. فلدینا أجیال جدیدة من الشباب المتحفز یبحث عن صیغ جدیدة مبتكرة للمشاركة وینفر من الانضواء تحت العباءات التقلیدیة وهي قد تنجح لیس في التأثیر على المواقف السیاسیة للدولة بل في الانتقال بالدولة نفسها إلى الحداثة. لا أرید إحباط الفكرة على أي حال فأقول إن نزول شخصیات من وزن رؤساء وزراء سابقین لمشروع سیاسي یبقى أمرا
مقدرا جدا.

الغد