الرأي العام .. الضمیر المستتر؟

المجتمعات الدیمقراطیة تحرص على مشاركة المواطنین في ادارة الشؤون العامة وتعتبر ذلك حقا اصیلا لهم یجري تفویض البعض للقیام به نیابة عنهم على ان یتم ذلك لمصلحتهم.

ضمن هذه الرؤیة تلتزم حكومات ومجالس هذه الدول بالشفافیة وینظر للرأي العام كمؤشر على رضا اصحاب الحق وسلامة المسیرة وملائمة الاجراءات . في كثیر من دول العالم الیوم یعتبر الرأي العام مقیاسا مهما وأداة رقابیة فعالة وحكما على مستوى نجاح المكلفین والتزامهم بالمبادئ والاسس والقواعد التي یحرص المجتمع على احترامها ومراعاتها.

بیانات الأحزاب وتصریحات المسؤولین والتشریعات الصادرة عن المجالس یجري تقییمها والحكم على ملاءمتها من خلال مستوى قبول او رفض الشارع لها. لذا یصعب على اي فرد او جماعة التفرد بالسلطة او العمل في معزل عن ما یفكر به الناس او یرونه مناسبا.

من هنا یكتسب العمل العام اهمیة خاصة ودینامیكیة تفرضها الحاجة الى التفاعل مع آراء ورغبات القواعد الشعبیة والجمهور المعني بالسیاسات والتشریعات والبرامج التي تتخذها السلطات.

الآراء والمواقف التي تسجلها الاستطلاعات ومراكز الرصد تعبر بوضوح عن مدى قبول ورضا المجتمع عن ما یجري على الساحة من احداث.

في المجتمعات التي تتجاهل حقوق الافراد والجماعات یعتبر الرأي العام والتعبیر عنه ترفا لا حاجة له. لسد الثغرات التي تكشفها المقارنة مع المجتمعات الدیمقراطیة، وتنتج الانظمة السیاسیة رأیا عاما خاصا بها حیث تعمل على استخدام واستمالة اعداد من المثقفین والصحفیین والكتاب لإنتاج افكار وآراء وصور تظهر القرارات والسیاسات على انها الخیارات الفضلى التي على الجمیع مباركتها وتأییدها.

بالرغم من محاولات تجاهل الرأي العام وكثافة جهود التضلیل والتشویه الذي یتعرض له ومحاولات التقلیل من اهمیته الا ان من الصعب اهمال الاسئلة والاستنتاجات التي یطرحها عندما یجري تحریكه او استثارته.

عند وقوع الحوادث وفي اوقات الازمات والكوارث وفي المناسبات التي یشعر فیها الافراد بالخطر یستیقظ الوعي الجمعي فینظر الناس الى الاحداث باعتبارها بعضا من الاعراض التي تعكس حالة المجتمع وما وصل الیه .

القصص والاخبار التي یجري تناقلها عن الحوادث تمزج بین الحقائق و المشاعر والآمال من جهة والمخاوف والغایات التي یرمي لها من یؤلف وینقل الاخبار من جهة اخرى.

الخیر والشر والتفاؤل والتشاؤم ثنائیات تقتحم فضاء الاحداث وتلون الروایات والقصص والمعاني التي یضفیها المجتمع على الافعال والتصریحات والمواقف والجرائم والوقائع التي تحدث یومیا في فضاءات الاعلام وعلى ارضیة المدن والقرى والاحیاء.

الایام والاسابیع الماضیة كان الرأي العام الأردني متیقظا ومنشغلا بالحوادث والقضایا التي اثارت الاهتمام ولامست مشاعر الجمیع. بعض القرارات الحكومیة ومقتل الطفلة واعتصامات المتعطلین عن العمل دفعت بالناشطین الى التواصل والمتابعة والتفاعل حول الاسباب والمسؤولیة والتوقعات.

بالرغم من عدم توافر بیانات دقیقة عن عدد المنشورات التي حملتها صفحات المغردین والناشرین حول مجمل القضایا الا انه من الممكن القول بأن بعض الاخبار المنشورة صحیحة والبعض الآخر لا یستند الى ادلة مما یحدث ارباكا في عمل واجراءات المؤسسات المعنیة.

في زمن الازمات والطوارئ یصعب على المؤسسات ان تؤدي ادوارها وتتعاطى مع القصص والروایات والاخبار التي یجري تداولها بنفس الفعالیة ..لذا وفي مثل هذه الظروف ینبغي ان تشتمل كل خطة طوارئ على مكون اعلامي یحرص على ادامة الاتصال والتعامل مع البیانات والقصص والاشاعات بحرفیة واقتدار.

خلال الازمات والظروف الاستثنائیة یشعر الكثیر من المدراء والعاملین بأنهم یعملون تحت رقابة المتابعین وكامیرات الهواة والفضولیین فیعملون على ادانتها وشیطنتها واتهامها بالتدخل والعرقلة والفضول وقد ینتهي الامر باتخاذ قرار منع النشر.

خلافا لما یعتقده المدراء وصناع القرار ینبغي النظر الى الاهتمام الشعبي كقوة یمكن استغلالها في خدمة ادارة الوقائع والازمات بدلا من ان یجري تغذیتها بالقصص والاشاعات التي یتم انتاجها لسد الحاجة المتزایدة للمعرفة وملء الفراغ. الغد