العرب وصفقة القرن والشرق الأوسط الجديد

الشرق الأوسط الجديد هو عنوان للطبعة الثانية لكتاب شمعون بيريس رئيس الكيان الصهيوني الأسبق الصادر عن دار الجليل في عمان عام 1996م حيث تقوم فكرته على انشاء منظمة تعاون أقليمية تتحرك على قاعدة فوق أقليمية تضم الدول العربية واسرائيل كحل امثل وفق رؤيته للصراع العربي الصهيوني بدلا من الحروب وهدر الطاقات على التسلح واستثمار المليارات التي تصرف على التسلح في تنمية شعوب المنطقة وتطورها . يتضمن الكتاب خططا تفصيلية للمشاريع التي يقترحها في مجالات الأقتصاد الصناعي والزراعي والتكنولوجي والطاقة والمياه وتحليتها وإنشاء قناة البحرين وكذلك المواصلات البرية من سكك حديد وطرق عابرة للحدود اضافة الى حلول لقضايا اللاجئين وتوطينهم في الدول العربية التي يتواجدون فيها ومن بينها الأردن التي يقترح أن تشكل مع الفلسطينين كونفدرالية مشتركة كحل نهائي للقضية الفلسطينية وعندها ستتغير صورة الشرق الأوسط القديم القائم على الحروب والصراعات الى شرق اوسط جديد يعمه السلام والرخاء والازدهار!

لكن مصطلح الشرق الاوسط أطروحة استعمارية أقدم من أطروحات بيريز وأن كانت هناك مشتركات في الأهداف النهائية لهما ، اذ هي تسمية أطلقتها الدول الاوروبية الاستعمارية بصفتها المركز الحضاري على المناطق المهمة من النواحي الجيوسياسية الواقعة ما بين الشرقين الاقصى والادنى أي على المناطق التي تضم الوطن العربي في قارتي آسيا وأفريقيا ومعها تركيا وايران وأفغانستان وباكستان وبالطبع اسرائيل لأن أحد اهداف هذه التسمية ادخال اسرائيل كدولة طبيعية ضمن دول هذه المنطقة ونزع الصفة العدوانية عنها وفي نفس الوقت نزع الصفة العربية او الأسلامية الخالصة عن المنطقة وسكانها الأصليين . ينضوي تحت هذا المصطلح دول وشعوب مختلفة من النواحي الاثنية والدينية والقومية في ثلاثة قارات هي آسيا وأفريقيآ واوروبا على أعتبار ان جزءا من الدولة التركية يقع ضمن القارة الأوروبية ، ويقال بان الزعيم الصهيوني ثيودور هيرتزل هو أول من دعا الى تقسيم هذه المنطقة وفق منظور اقتصادي حيث نادى بانشأء كومنويلث شرق اوسطي . كما أطلق هذا المصطلح بعد ذلك من خلال مقال للمؤرخ العسكري الامريكي الفريد ماهان في ايلول عام 1902م أي قبيل الحرب الكونية الاولى التي انطلقت شرارتها عام 1914م ، ثم استخدمه تشرشل وزير المستعمرات البريطاني عام 1921م عندما انشأ ادارة الشرق الاوسط للاشراف على شؤون فلسطين والاردن والعراق .

وحديثا وضع شمعون بيريس كتابه المشار اليه سابقا أسماه شرق اوسط جديد يكون لاسرائيل فيه الهيمنة واليد العليا سياسيا واقتصاديا تحت شعار تحقيق المصالح المشتركة لشعوب المنطقة بمن فيهم الشعب الاسرائيلي من خلال التعاون والمزاوجة ما بين القدرات المالية والموارد الطبيعية العربية الهائلة والعقل الاسرائيلي المبدع ! وفي هذا المجال يقول بيريز : لقد جرب العرب قيادة مصر للمنطقة مدة نصف قرن(يعني أنهم لم يحققوا شيئا تحت هذه القيادة ) فليجربوا قيادة اسرائيل اذن (أي وسيرون الفرق والفوائد الجمة تحت القيادة الصهيونية !) وهي نفس الرؤية التي طرحها برنارد لويس منذ سبعينيات القرن الماضي وتبناها المحافظون الجدد في عهد بوش الابن.

لقد وضع هذا المصطلح في القرن الماضي وتم تطويره من خلال ما دعت اليه وزيرة خارجية امريكا كونداليزا رايس تحت أسم الشرق الاوسط الجديد والفوضى الخلاقة ليخدم أغراضا استعمارية وليس من اجل مصلحة دول وشعوب المنطقة التي تتكون وفق هذا المفهوم من فسيفساء عرقية ودينية وثقافية تجعل من المستحيل تحقيق أي كيان سياسي موحّد ومتجانس فيها لان ذلك سيهدد مصالح الدول الغربية على المديين القريب والبعيد . فهناك اذن أهداف سياسية اقتصادية من وراء وضع هذا المصطلح الذي تروج له وتردده باستمرار وسائل الاعلام الغربية والعربية للاسف وفي مقدمة هذه الاهداف تثبيت الكيان الصهيوني ودمجه في المنطقة العربية ككيان طبيعي وليس ككيان طارئ فيها من اجل تحقيق الهدف المركزي للدول الاستعمارية وهو منع اقامة كيان عربي موحّد في هذه المنطقة الخطيرة من النواحي الجيوسياسية والاقتصادية اذ ستشكل اسرائيل حاجزا بشريا وسياسيا وعسكريا يفصل بين الشعوب العربية في قارتي افريقيا وآسيا مهمتها اشغال المنطقة بالحروب والصراعات الداخلية والبينية واثارة وتشجيع النزعات الاثنية والدينية والطائفية كما هو جار الان في أكثر من بلد عربي ترجمة عملية لنظرية الفوضى الخلاقة التي ستعيد ترتيب اوضاع المنطقة تحت اسم الشرق الاوسط الجديد ، هذا اضافة الى كونها أي اسرائيل قوة ردع عسكرية مجهزة باحدث الاسلحة والتقنيات التكنولوجية مما يجعلها الذراع القوية والطويلة التي تطال أية دولة تحاول التمرد على الدول الغربية او تحاول تهديد او المساس بمصالحها الاقتصادية والجيوسياسية. .

لقد اتسمت هذه المنطقة باهمية بالغة على مدار التاريخ اذ تعتبر مهد الحضارات القديمة المصرية والكنعانية وحضارات بلاد الرافدين كما انها مهبط الديانات السماوية الثلاثة ، اما في العصر الحديث فتكمن اهميتها اضافة لما ذكر من كونها تقع في وسط بل مركز العالم اذ تتوسط ثلاثة قارات هي اوروبا وافريقيا وآسيا وتسيطر على أهم البحار والمضائق والقنوات البحرية التي تمر منها معظم تجارة العالم وخاصة الطاقة التي تشكل عصب الصناعة العالمية اذ أن معظم مصادرها موجودة في هذه المنطقة ، كما تعبر سماءها جميع طائرات العالم الذاهبة والآيبة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ، ولذلك تحرص هذه الدول باستمرار على وضع العراقيل والصعوبات أمام أية محاولات تسعى لأقامة كيان سياسي عربي مّحّد في هذه المنطقة لان ذلك سيهدد مصالحها وحضارتها التي تقوم وتعتمد بشكل أساسي على هذه المصادر ومن هنا ولهذه الاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية أطلق وعد بلفور في أعقاب الحرب الكونية الاولى لانشاء الكيان الصهيوني كحارس وغفير يحرس تلك المصالح ويمنع أي توجه وحدوي قد يهدد الوجودين المرتبطين عضويا، الوجود الصهيوني والوجود الاستعماري.

ان ما يجري في البلاد العربية من حروب وتدمير وتهجير تحت شعارات الثورة والتحرير ما هو الا ترجمة فعلية لنظرية الفوضى الخلاقة في تمزيق الممزق وتقسيم المقسم وترسيخ للواقع السيء والذي سيزداد سؤا اذاما نفذت صفقة القرن التي يرّوج لها ترامب بالتواطؤ مع أنظمة عربية ستتولى تمويل تنفيذها باموال عربية كان الاولى بها ان تستخدم لمصلحة شعوب المنطقة في التنمية الاقتصادية والعلمية والاجتماعية وصولا لمجاراة التطور العالمي الذي يسير بوتائر سريعة في الوقت الذي تتراجع فيه أقطارنا الى الوراء بسرعة الضؤ من خلال هذه الحروب التي تخوضها بالوكالة عشرات التنظيمات الأرهابية بتلاوينها المختلفة والتي اهلكت الزرع والضرع وأحرقت الاخضر واليابس وجعلت كثيرا من الاقطار قاعا صفصفا واعادتها الى العصور الحجرية بحيث لن تعود هذه الاقطار على الاقل الى ما كانت عليه الا بعد قرون وحينها يكون العالم أين وهذه الأقطار أين؟!