الغضب الرحیم

تغیر واضح في العلاقة بین المواطن والدولة

التصورات التي یحملها المحتجون والعاطلون عن العمل لمشكلاتهم تختلف كثیرا عن تصورات المسؤولین

الناس في مختلف ارجاء البلاد یعتقدون ان مشكلاتهم ولیدة الفساد والتلاعب والتسویف وغیاب التنمیة

على وقع اخبار مؤتمر لندن واخبار الفیضانات ومشاهد الغرق للمحلات التجاریة في وسط البلد والساحة الهاشمیة، ومع استمرار اعتصام ابناء معان ورفضهم لدعوات استضافة عشائر الدعجة والطفایلة والعبابید واصرارهم على المبیت في الشارع تحت اعلى نسبة هطل مطري شهدته العاصمة منذ عقود، تتصاعد مشاعر الغضب والانزعاج لدى المعتصمین والتجار واهالي العاصمة وهم یشاهدون صور تصدع الشوارع وغرق المتاجر وتلف البضائع في مدینة تجمع ما یزید على نصف ملیار من الضرائب والرسوم سنویا ویجتمع مجلسها لیعلن استعداده التام للطوارئ قبیل كل منخفض جوي دون ان یلمس الناس مظهرا واحدا من مظاهر الاستعداد وهم یواجهون الكارثة بمفردهم.

بالرغم من كل الغضب والاحباط الذي یستولي على قلوب الضحایا والمتأثرین إلا أن لغة الاحتجاجات سلمیة، كما یستمر الخطاب في الحفاظ على طابعه التقلیدي حیث تتلون الرسائل والشعارات بشيء من العتب ولا تفقد الامل في الاستجابة وتبدل الاحوال.

حتى الیوم یتوجه المحتجون نحو الدیوان الملكي؛ بیت كل الأردنیین، باعتباره بوابة الخلاص من اوجاعهم ومعاناتهم. التعامل مع الدفعة الاولى من المحتجین جاء لاستیعاب مطالبهم وتسكین اوضاعهم فتم اقناعهم بالعودة على ان یجري توظیفهم خلال اسبوعین.

في كل ما یجري على الساحة الداخلیة الأردنیة هناك ما یؤشر الى وجود تغیر واضح في العلاقة بین المواطن والدولة. المواطن الأردني الیوم اكثر جرأة واستعدادا للاحتجاج والتعبیر فلم یعد المواطن المتعطل عن العمل او المعتدى على حقه في التوظیف یكتفي بالهمس والتذمر فقد اصبح اكثر جاهزیة للاعتراض والمطالبة والاحتجاج.

قبل سنوات كان المواطنون في الاریاف والبادیة یتوجهون بمطالبهم للنواب والمتنفذین من ابناء عشائرهم باعتبارهم وسائل للخلاص وسبلا یمكن اللجوء الیها للتغلب على العوائق البیروقراطیة التي قد تعترض وصولهم الى الوظائف او الحقوق. الیوم وبفضل وسائل الاتصال التي كشفت حجم الفساد والامتیازات والمصالح التي یحصل علیها النواب والوسطاء ومن یسخرون المواقع العامة لخدمة اقاربهم ومحاسیبهم اصبح الافراد اكثر رغبة في الانقلاب على النظم الاجتماعیة القائمة واشد رغبة في كسر التراتبیة التي تتیح لهؤلاء النواب والمتنفذین التقدم مستغلین احتكار منابر التمثیل المناطقیة والجهویة لحسابهم.

التصورات التي یحملها المحتجون والعاطلون عن العمل لمشكلاتهم من حیث طبیعتها واسبابها واسالیب حلها والجهات القادرة على ذلك تختلف كثیرا عن تصورات المسؤولین والخبراء والجهات التي تحدد شكل الاستجابة لها.

في عمان والكرك الطفیلة واربد ومعان وسائر ارجاء الأردن هناك احساس عمیق لدى الاهالي والشباب بأن الأردن بخیر لو احسنت ادارة موارده وتوقف نزیف الهدر وممارسات سوء الادارة والارتجال في القرارات ذات الكلفة الاقتصادیة العالیة والقیود التي توضع على الاستثمار والممارسات التي یقوم بها البعض في استغلال مواقعهم ونفوذهم.

الناس في مختلف ارجاء البلاد یعتقدون ان مشكلاتهم ولیدة الفساد والتلاعب والتسویف وغیاب التنمیة.

على الجانب الاخر هناك من ما یزال یعتقد ان الدولة ومؤسساتها تقوم بعمل استثنائي في التخطیط وتحسین الاقتصاد وجلب الاستثمارات والخدمة والحفاظ على الامن وان ما ینقص الافراد لا یعدو تغییر اتجاهاتهم وحسم خیاراتهم للالتحاق بالاعمال التي یوفرها السوق والقیام بمشروعات صغیرة مثل تلك التي یدعمها صندوق التنمیة والتشغیل وصنادیق المبادرات والقروض الاخرى.

ما بین النظرة الاهلیة للواقع والتقییم الرسمي للاوضاع فجوة كبیرة تحتاج الى تجسیر، ولا احد ینكر ان في كل من وجهتي النظر بعض الوجاهة وكثیر من الضبابیة التي تحتاج الى مزید من الكشف والتوضیح.

الغد