فورت نایت

الشباب لا یجدون قیمة عملیة للكثیر من النظریات والحكم التي نضمنها لاحادیثنا فنحن نتحدث فوق رؤوسهم ولا نلتفت الى الاسئلة الحائرة في عیونهم

الالعاب الالكترونیة وشخصیاتها تحظى بأهمیة كبیرة لدى الاطفال والیافعین. في ستینیات وسبعینیات القرن الماضي كانت القراءة والمطالعة اهم المداخل والوسائل التي یطل من خلالها الاطفال والشباب على قیم وحیاة الشعوب ویتتبعون سیرة الانسانیة ورواد الآداب والعلوم وهم یفككون الغاز الكون وصولا الى ما آلت الیه البشریة.

ما ان انتشرت السینما والتلفزیون وانتجت البرامج الخاصة بالطفل حتى اصبحت الافلام الكرتونیة مصدرا جدیدا لتنمیة الخیال وتحفیز الابتكار واطلاق طاقة الصغار للبحث والاستكشاف.

الیوم یعیش غالبیة الاطفال حالة من الادمان على الوسائل والادوات التكنولوجیة بحیث یشعر من لا یمارسونها او یعرفون مهاراتها بالاغتراب الذي قد یقود الى الانعزال والاقصاء من الاقران وحواراتهم.

الفورت نایت والجراند ثیفت اوتو اضافة الى آلهة الحرب وغیرها من الالعاب اصبحت اهم من المقررات الدراسیة. فالجمیع یلعبها ویعرف درجاتها وتقنیاتها واسالیب القتل والسرقة والعنف وانواع الشتائم والتكتیكات المستخدمة فیها.

لا اظن ان احدا من اطفال المدن ویافعیها لا یعرف هذه الالعاب او سمع بها فقد اصبحت جزءا من ثقافتهم واهتماماتهم وطریقة حیاتهم. یمضون ساعات طویلة في اللعب ویستهلكون المنتجات التي تسوقها الشركات المنتجة والمروجة لها. القیم التي تغرسها الالعاب الالكترونیة في نفوس وعقول الصغار تتقدم على كل ما یحاول الآباء والمربون تقدیمه لهم.

اتجاهات الاسر والمربین نحو هذه الالعاب والممارسات تتراوح بین الادانة والتقبل على مضض. وسط هذا الرفض لم یفكر احد منا یوما في الاجابة على السؤال الذي تطرحه هذه الممارسات والمتمثل في ”لماذا یجد الصغار متعة في هذه الالعاب ولا یجدون مثلها في التدریس او الانشطة الاخرى التي یجري تصمیمها من قبل المدرسین والاهالي؟.

في كل مرة یلتقي فیها الاهالي یتبارون في سرد خبراتهم مع ادمان الابناء على هذه الالعاب والحیل التي ابتدعوها لصرف انتباههم عنها. الملاحظات التي یبدیها الاهالي تفتقر الى اي اقتراحات عملیة لتطویر عملیة التعلیم والتعامل مع الابناء بطریقة جذابة وممتعة تحد من ادمانهم على الالعاب.

بالرغم من تنامي أعداد الاساتذة في علوم التربیة والنفس والاجتماع ووجود عشرات آلاف المعلمین الا ان الاهتمام بتاثیر هذه الالعاب وما فیها من ادوات ومهارات وانفعالات ومعارف على تفكیر الصغار ومیولهم ما یزال محدودا وعدیم التأثیر.فالمناهج المدرسیة ونظم التنشئة البیتیة تتم في معزل عن هذه الانشطة والالعاب التي تقع في قلب اهتمام الصغار وتشكل خیارهم الاول بین كل ما یقدم لهم او تحتویه بیئاتهم.

اهتمام الساسة والمربین بالاطفال والشباب اهتمام اسمي لا ینعكس على السیاسات و الممارسات التي ینفذونها. كلما ذكر الشباب والاطفال یسارع الساسة والمربون الى الاشارة الى اهمیة المرحلة ونسبة المنتسبین لها ویلقون الشعارات التي تؤكد على انهم نصف الحاضر وكل المستقبل.

من الناحیة الثقافیة ما یزال الاطفال والشباب في مجتمعنا یعیشون في عالمهم الخاص یقاومون كل محاولات الدمج الاجباري لهم في انشطة واهتمامات مملة لا یجدون لهم مكانا فیها.طالبات وطلاب الجامعات لیسوا استثناءا فهم یذهبون للصفوف بتثاقل ویشكون من قلة جاذبیة المواد ومحدودیة الفائدة وقدم اسالیب التعلیم وفوقیة التعامل معهم.

منذ ایام كنت ضیفا على احد الصفوف في الجامعة الأردنیة لأتحدث مع الطلبة عن اسالیب ومهارات التواصل. ما ان باشرت الحدیث حتى وجدت نفسي ابتعد عن ما یهم الطلبة لأعود واحدثهم بلغة مختلفة قبل ان اخسر من بقي منهم في القاعة التي بدت مكتظة.

الشباب لا یجدون قیمة عملیة للكثیر من النظریات والحكم التي نضمنها لاحادیثنا فنحن نتحدث فوق رؤوسهم ولا نلتفت الى الاسئلة الحائرة في عیونهم. في مهارات الاتصال لا احد یقول لهم لماذا یقوم بعضهم بشطب او تحریر الرسالة الالكترونیة قبیل ارسالها. وقلما یتوجه الحدیث لتفسیر الخلافات التي تحدث بین الصدیقات نتیجة لسوء الاتصال او لضعف صیاغة وادارة الرسالة الاتصالیة. كل ما یسمعونه منا نظریات ومفاهیم لا یرون جدوى لاستخدامها.

الغد