عندما يصبح الدِّين حرفة

من أغرب الناس أولئك الذين درسوا الدين والشريعة؛ ثم جعلوا هذا الدين بضاعتهم، والمتاجرة به حرفتهم، فباعوا آخرتهم لأجل دنياهم أو دنيا غيرهم. إنها المتاجرة بكلمات الله وأحكامه، وقد أخبرنا الله تعالى عمن فعل ذلك ممن سبقنا من الأمم، فأطلعنا على جرم أحبار بني إسرائيل بقوله: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) البقرة/79.
إنه التغيير والتبديل والتحريف من أجل الدنيا وزينتها وزخرفها، حيث تحجب سحبها شمس الخشية من الله تعالى فلا يرى الإنسان إلا كثافة تلك السحب التي سببت ظلام القلب، وصار يبيع ويشتري بهذا العَرَض الزائل، متناسيا وعد الله ووعيده.
من هذه النماذج المنحرفة عن طريق الحق والعدل من يبيع الدين لأجل المال، فهو يغير ويبدّل طمعا في المزيد من المال، وكأنه تاجر من التجار، لكن للأسف بضاعته هي دين وأحكام، وهي غير قابلة للبيع والشراء، فهذا الإنسان يبيع ما لا يباع، مقابل حفنة من الأموال، وكأنه لا يرى أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، فما أضعف إيمانه وثقته بالله تعالى.
ومنهم من يبيع دينه مقابل المناصب والوضع الاجتماعي، فكل ما كان حراما قبل المنصب يصبح حلالا بعده، والسر في الكرسي الذي يجلس عليه، يغير الأنفس والعقول، حتى يصل التغيير للأحكام الشرعية، طمعا أن يجلس على الكرسي العجيب أطول فترة ممكنة.
ومن تلك النماذج التعيسة من يشغل كل وقته بالتبرير للسياسيين من أصحاب النفوذ والقرار، وكأنه محامي الدفاع عنهم، أو الخبير الذي يحوّل أفعالهم مهما كانت إلى أفعال مشروعة، بل مأمور بها، ويأتيك بالنصوص التي لا علاقة لها بالموضوع ويقوم بليّ أعناقها ليطوّعها لمراده الفاسد.
بسبب تصرفات هؤلاء اللاأخلاقية يتقل نقد الناس لهم إلى نقد لأصل دينهم، فيشوّهون الدين، وينفّرون الناس منه؛ لأن أغلب الناس لا يميّزون بين الشخص والفكرة، فيحسِبُون كلا منهما على الآخر. فيكون ضرر هؤلاء المتكسّبين على الدين أكثر من نفعهم.

الدستور