اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات احزاب وظائف للاردنيين رياضة أسرار و مجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

السعادة المفقودة

مدار الساعة: وكالة اخبارية مساحتها الكلمة الصادقة
مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/24 الساعة 00:20
مدار الساعة,معان,

السعادة من الأمور التي حيّرت الفلاسفة، ما هي وكيف تكون، وكيف يمكن تحقيقها؟ وهذا يدلّ على أهميتها، وأنها أمر أساسي، ومطلب رئيس في حياة الإنسان. ومما لا شك فيه أن السعادة لا تتولد من الفراغ، بل لها أسبابها التي ينبغي على الإنسان أن يحصلها ليحقق السعادة.
فريق من الناس تتحقق سعادته بالمال، وتتناسب سعادته مع المال طرديا، فكلما زادت أمواله زادت سعادته، والعجيب أنه يبخل بهذا المال الذي كان سببا في سعادته عمّن حوله، وربما وصل بعضهم من حبه للمال إلى درجة الشحّ حيث يبخل الإنسان على نفسه، فمجرد وجود المال وكنزه وتكاثره يسعد هذا الفريق من الناس، لكنّ هذا السلوك يكون سببا في تعاسة الآخرين؛ لأنّ المال وجد ليُنفق لا ليُجمع. وهل يمكن للإنسان أن يتمتع بسعادة حقيقية على حساب تعاسة الآخرين، وهل تكتمل سعادة الإنسان إلا بمشاركة الآخرين له هذه السعادة، حتى قيل في المثل الشعبي: (من جاور السعيد يُسعد)؟
وفريق من الناس يجد سعادته بالوجاهة بين الناس، حيث يُظهر الناس له الاحترام والتقدير، (وكلمته ما بتصير ثنتين)، هل بهذا يكون الإنسان سعيدا؟ عرفت أحد هؤلاء الوجهاء الكبار، وكان محطّ تقدير واحترام من كلّ من عرفه، وعندما جالسته أخبرني أنه على الرغم من هذه الوجاهة تعيس جدا، والسبب أنه تزوج ثلاث مرة ولم يرزقه الله بمولود يحمل اسمه.
وفريق من الناس يظنّ السعادة بالمناصب الرفيعة، والدرجات العليا، ليكون مسؤولا يأمر فيطاع، ويتحكّم برقاب البشر، ولكن ما قيمة هذه السعادة التي يشعر بها، على حساب تعاسة الآخرين، فالمسؤول الحق هو من يجعل من نفسه خادما للناس، يقضي حوائجهم، وييسّر أمورهم، لا الذي يتحكم بهم.
ربما يظن فريق من الناس أن سعادته بتحصيل الملذات المختلفة من طعام وشراب ونساء، لكنه ما يلبث أن يملّ منها، حتى تقف هذه الملذات عاجزة عن تحقيق السعادة لصاحبها، أو أن يصاب بسببها بمرض فلا يستطيع الاقتراب منها.
يمكن للإنسان أن يحقق سعادته إذا رضي بما وهبه الله تعالى من رزق أو جاه أو مكانة أو منصب، فالرضا والتسليم بقضاء الله هو طريق القناعة، والقناعة كنز لا يفنى. ولا تكتمل سعادة الإنسان إلا إن شعر بانتقالها لمن حوله، فلا يقدر الإنسان أن يكون سعيدا بمفرده، حتى لو ملك جزيرة يعيش وحده على سطحها، يملك كل ما فيها لن يكون سعيدا.
لا تعني السعادة أن لا يمرّ الإنسان بموجات متلاطمة من مشاكل الحياة، وعواصف هوجاء من نكدها، بل السعادة أنْ يتحدى هذه الصعاب، ولا ينحني لها، ليحقق النصر عليها، وهنا سيرى سعادة غامرة تنعش قلبه.
بيّن الحكماء أن من أهم أسباب السعادة للإنسان، أن يدخلها على قلوب الآخرين، فقليل من المال في جيب الفقير يسعده، وكلمة طيبة لإنسان تفرحه، وهدية متواضعة لصديق تعزز من محبته،... وهكذا، عندما تدخل السرور على قلوب الناس ستتذوق أحد المعاني الجميلة للسعادة.
أما السعادة الحقيقية هي بتحقق الإنسان بعبوديته لله؛ لأنها الغاية التي خُلق من أجلها، وتكون بذكر الله تعالى، وبإقامة العبادات، والمساهمة بعمارة الكون، ووضع لبنة في البناء الحضاري للعالم، هذا الإنسان الذي بنى علاقة جميلة مع الخالق سبحانه، فكان الملجأ والملاذ، يناجيه في أي وقت، وهو يعلم أن الله يسمعه، ويطلب منه، وهو موقن أن الله على كل شيء قدير، يضع جبهته على الأرض خضوعا لله، وإقرارا منه بعبوديته لخالقه، هذه هي السعادة الحقيقية المفقودة.

الدستور

مدار الساعة: وكالة اخبارية مساحتها الكلمة الصادقة
مدار الساعة ـ نشر في 2018/10/24 الساعة 00:20