الجبور تكتب: التفكير الخرافي عند بعض الشباب

الكاتب :د. آمال جبور

التفكير الخرافي تفكير سطحي، يسود فئة من الشباب، لا يستند الى حقائق علمية، ويتناقض مع الواقع الموضوعي، مؤديا الى سلوك معتل يتسم بالغباء.

وهذا التفكير الخرافي يصدرعن ذهن مغلق اصابه الخلل، ويفتقر الى ربط العلل بالمعلولات، وينشأ في البيئات التي ينتشر فيها الجهل والتخلف.

وربما يكون استعداد الشباب لتصديق الخرافة جزءا من واقعهم المعاش والاحباط الذي يرتبط بسواد الصورة التي تلاحقهم لمستقبل مجهول، ذلك ان بعض الشباب مستعدون في ظروف معينة لان يصدقوا ما لا يقوم عليه اي دليل مادي.

بالاضافة الى ذلك، فإن الثقافة الموروثة تلعب دورا في اعتماد الشباب على ما ورثه من حكايات واقوال ومعتقدات، تجمع بينهما صفة اللاعقلانية او الخرافية، ونادرا ما يفكر الشباب في معقوليتها او يحاول التحقق منها.

كذلك فان الشباب تحت الضغط النفسي والاقتصادي والاجتماعي وظروف حياته اليومية يندفع بقوة نحو التفسيرات السحرية اوالخرافية.

واذا عدنا الى موضوعات التفكير الخرافي، فاننا نجدها مرتبطة بالميتافزيقيا، التي تدورحول التشاؤم والتفاؤل وقراءة الكف والفنجان والطالع، وهذا المشهد للاسف لا يقتصر لمسه بين صفوف الشباب بل منتشرة ايضا في كل المستويات الفكرية والثقافية.

وتناول العديد من المفكرين العرب انجذاب المجتمعات العربية الى مستنقع الجهل والتخلف، وعملوا من خلال كتاباتهم على تطهير العقل العربي من الخرافة والاساطير، فأعلوا من شأن العقل والعقلانية، وأكدوا اهمية العلم والمعرفة عبر ابحاثهم ودعواتهم السياسية والفكرية.

واذا اخذنا بعض اراء المفكرين العرب ومنهم المفكر العربي فؤاد زكريا فيقول في هذا الموضوع " ان الشعور بالعجز هو العامل الاساسي لظهور الخرافة واستمرارها، وهذا الشعور يتخذ اشكالا تختلف باختلاف البيئة والعصر ولكن بنتيجة دائما واحدة، هي ان يلجأ الانسان الى تعليلاته للاحداث الى قوى عقلية تساعده في التخلص من المشكلات التي يواجهها تخلصا وهميا، بدلا ان تساعده في حلها ".

فيما يرى محمد عابد الجابري " ان انتشار الخرافة والغيبيات الاسطورية بين اوساط المثقفين يعود الى غياب الروح النقدية والعقلية العلمية، وان الحقيقة لدى هؤلاء هي ما يقوله اخر كتاب قرؤوه او اخر حديث سمعوه، وهذا دليل على رسوخ الاستعداد للتلقي وغياب الروح النقدية في نشاط العقل العربي المعاصر".

ويبين ابراهيم بدران" بان العقل العربي لا يزال يعيش عهدا خرافيا نشطا، وهذا الطابع الخرافي يجد نفسه بين صفوف المثقفين ونخب المجتمع، وان العقلية الخرافية توجد في الاعماق وتغطي قطاعا واسعا من القادة والوزراء واساتذة الجامعات بالاضافة الى الشرائح الدنيا من الهرم الاجتماعي".

وللاسف مع مضي اكثر من قرن على هذه الدعوات، لا زلنا نرى اجيالا جديدة، تؤمن بالخرافة والاسطورة وقراءة الكف والفنجان والطالع، كمرشد خفي لمسار حياتهم وتطلعاتهم، فالمستقبل لديهم قائم على رسمة في فنجان قهوة، او خطوط وهمية في راحة اليد.