الجلاد يكتب: سرقوها وما زالت حنونة

لمن يسألني عن أمي ووطني الأردن ، أقول له: نعم هي ﺃﻣﻲ التي أحبها وأعشقها ، والتي ﻻ ﺃﺭﺗﺎﺡ إﻻ ﻓﻲ ﺃﺣﻀﺎﻧﻬﺎ ، ﻻ ﺃﺑﻜﻲ ﺇﻻ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﺭﻫﺎ ، ﻭﻟﻬﻔﺔ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﺣﻴﻦ ﺃﻛﻮﻥ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻬﺎ ﺗﺸﻔﻴﻨﻲ ، وتسعدني ، ﻭﺃﺭﺟﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﺃن ﻻ ﺃﻣﻮﺕ ﺇﻻ على ترابها .

أمي ليست ثرية ولا غنية ، ﻟﻜﻦ بحنانها تحتضن أبناءً لها من أصول وأعراق مختلفة ، إنصهروا جميعاً في دفء حضنها.

أمي ﻟﻴﺴﺖ ﺸﻘﺮﺍﺀ ولا بيضاء ، لكنها حنونة ، وﻭﺟﻬﻬﺎ الأسمر الجميل يشعرني ﺑﺎﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ ، مدرقتها البدوية وعصابة رأسها وثوبها الفلاحي يحمل ﻓﻲ ﺛﻨﺎﻳﺎه الحشمة ، ﺍﻟﻄﻴﺒﺔ ، ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ، الطهر ، الكرم ، والنخوة.

أمي أصيلة ، ضاربة الجذور بالتاريخ ، ترتعش إعتزازاً وهي تنظر إلى جبال عمان ، البتراء ، أم الجمال ، جرش ، قصر عمرة ، وام قيس ، وإلى قلاع عجلون ، الكرك ، والشوبك ، وتكون أجمل سهراتها في وادي رم ، والأغوار ، والعقبة.

أمي تتنسم رحيق العز في عينيها وهي تنظر إلى مقامات الانبياء شعيب ، يوشع ، وهارون ، وأضرحة الصحابة ، جعفر الطيار ، بن رواحة ، بن حارثة ، ابوعبيدة ، ابن الازور ، شرحبيل ، ومعاذ بن جبل ، وتحتضن أرضها معارك مؤتة ، واليرموك ، وتهل دموعها فرحاً ، وهي تشاهد المسجد يعانق الكنيسة ، فتتعمد في نهر الاردن ، وتشرب من نهر اليرموك .

أمي لا تضع العطور ولا تسمع الموسيقى ، لكن رائحة الشيح والزعتر والقيصوم والدحنون تفوح منها ، وتترنم على دقة المهباش وجرِّة الربابة ، وتطرب على شعر عرار ، وسامر البدو ، واهازيج الفلاحين .
وهي ﻻ ﺗﺘﺰﻳﻦ ﺑﺎﻟﺬﻫﺐ ﻭﺍﻟﻔﻀﺔ ، ﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﻋﻨﻘﻬﺎ ﻋﻘﺪﺍً ﻣﻦ ﺳﻨﺎﺑﻞ ﺍﻟﻘﻤﺢ ﻭﺍﻟﺸﻌﻴﺮ ، ﺗﻄﻌﻢ منه أولادها وﻛﻞ محتاج وﺟﺎﺋﻊ.

أمي تفتخر بأبنائها ، ببطولة كايد المفلح على أرض فلسطين ، وبشجاعة هزاع المجالي ، وقومية وصفي التل ، وترفع رأسها شموخاً بأبنائها الشهداء الابرار على ثراها ، وثرى فلسطين ، والجولان ، والخليج.

امي ﺳﺮقها ﺍﻟﻠﺼﻮﺹ ، وشتمها اللقطاء ، وانكر خيرها ابناء الليل ، لكنها مازالت حنونة ، تبتسم ، وتحتضنهم ، وبفضل الله باقية بمواقف العز والكرامة ، وهم لمزبلة التاريخ مهما صمدوا.

معذرةً نسيت أن أخبركم أن أمي تسكن ﻓﻲ جوف صدري ، وتحتمي بحنايا أضلعي ، وتنام في حشاشة ﻗﻠﺒﻲ ، أدامها الله ، وأدام شعبها ، وقائدها .