اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات احزاب وظائف للاردنيين رياضة أسرار و مجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

فساد الضمير العام أخطر !

مدار الساعة: وكالة اخبارية مساحتها الكلمة الصادقة
مدار الساعة ـ نشر في 2017/06/06 الساعة 04:01
مدار الساعة,قانون,ثقافة,

مشكلة الفساد لا تتعلق فقط بالذين سرقوا اموالنا واعمارنا، ولا بالذين حاولوا ان “ يسمموا “ اجسادنا من خلال “ الدجاج الفاسد “ والاغذية المغشوشة، هؤلاء نعرفهم ويمكن ان نضبطهم “ بالجرم “ المشهود، وسواء استطعنا ان نضعهم امام موازين العدالة لينالوا عقابهم العادل، او استطاعوا ان يهربوا من المحاسبة، فان صورهم المشوهة في عيون الناس ستبقى في الذاكرة، كما ان “ لعنة “ الحرام ستظل تلاحقهم للابد .

المشكلة ليست في هؤلاء فقط، وانما في آخرين غابت “ ضمائرهم “ او تم شراء ذممهم، فصمتوا عن ادانة الفاسدين، او ظلوا واقفين وراء الستارة ولم يتحركوا للدفاع عن قيم المجتمع ومصالحة، او مروا من هناك وكأن ما حدث لا يعتبر عبثا في النواميس الوطنية، ولا انتهاكا لحرمة البطون الجائعة في شهر رمضان الفضيل .

اخطر ما فعلته “ نخبة “ الفساد بنا انها نجحت في “ تغييب” الضمير العام، وتسللت الى مجتمعنا من خلال عملية منظمة لشراء الذمم واسكات الاصوات، ومن المفارقات الغريبة ان الصراع على ملف “ الفساد “ اصبح بين الفاسدين انفسهم، وبرعاية “ الكومبرس “ الذي يقف وراءهم، وبالتالي تحولت المعركة ضد هؤلاء الى “ فخ “ لم نعرف كيف نتعامل معه او نخرج منه، اذا سالتني كيف ؟، ساقول لك ان بعض القضايا التي تطرح في الاعلام او حتى في الشارع ليست اكثر من “ مكائد “ رتبها بعض المتورطين في الفساد لاشغال الناس بها او لتصفية حسابات بينهم، او لتضخيم الظاهرة بحيث يبدو من المستحيل مواجهتها ناهيك عن تصريحات تحذيرية سمعنا بعضها تهدد وتتوعد “ بكشف “ المستور او بتوريط الجميع على قاعدة “علي وعلى اعدائي “، هذه كلها مناوارات يريد الفاسدون من خلالها ان يأخذونا الى مكان اخر مزدحم بالغضب واليأس، او يوجهوا نقاشاتنا حول الموضوع الى اجندات صمموها لاهداف مشبوهة وغير بريئة .

الفساد – يا سادة – لم يعد يقتصر على نهب الاموال وسوء استخدام الصلاحيات الادارية، وانما تجاوز حدوده فاصبحنا نراه بعيوننا يتجسد امامنا بالاستهانة بالناس واستعباطهم، او بالمجاهرة بالمعصية والدفاع عمن يتجرأ على “ قيم “ المجتمع وتقاليده، بل ودينه ايضا، او بالاساءة لاذواق الناس وسلامة مائهم وغذائهم وصحتهم، لقد تطور الفساد وعم حتى اصبح جزءا من حياتنا العامة واخطر ما فيه انه اصاب منظومة اخلاقنا، وروض “ ضمائرنا “ وانتج جيلا جديدا او طبقة تمددت وتوسعت حتى اصبحت مصالحها مرتبطة به تماما، وبالتالي فهي تحميه وتدافع عنه بكل ما لديها من قوة ونفوذ .

مطلوب ان نصوب انظارنا ونشير باصابعنا لمن اعتدى على المال العام او لمن ضبط “ متلبسا “ بتوزيع دجاج فاسد، او من نهب “ الاراضي “ والمصاري، لكن مطلوبا ايضا ان لا نغض الطرف عن فساد اخطر خرج من “ تربة “ تجاوز الصلاحيات والمسؤوليات، او افساد استهداف شراء ذمم الناس ومواقفهم واصواتهم، فافرز ما نعانيه من مجالس نيابية ضعيفة او من افقار للحياة العامة، او من تدمير لمؤسساتنا واغتيال لشخصياتنا او من عبث في قيمنا الوطنية .

ان استدعاء القانون لمحاسبة هؤلاء ضروري بالتاكيد، لكنه لا يكفي، فعيون القانون مهما كانت مفتوحة لن تستطيع ان ترى كل هذا الخراب المعلن والمخفي، وبالتالي لابد من التوجه لاحياء الضمير العام لدى المجتمع، بكل ما لديه من طاقة وقوة وصحوة، وهذا لن يتحقق الا اذا حررنا اخلاق الناس من حالة “ التسفل” التي بدأت باشاعة الفاحشة في المجتمع واعتبارها حرية متاحة، ثم تمددت لتشكيل ثقافة جديدة عنوانها “ انتهاك “ حرمة المجتمع وتجاوز قيمه واعرافه وتقاليده الصحيحة بذريعة محاربة التطرف او مواجهة “ داعش “ وكأن معاقبة هؤلاء الذين ينتهكون حرمة المجتمع نزعة داعشية تتعارض مع حرية المعتقد والفكر وممارسة الناس لحقوقهم الضرورية، لا ابدا، هذا ليس صحيحا .، اذ لا يوجد من يكره الناس على دينهم او دنياهم، لكن ذلك في اطار الحرية التي لا تسيء لمشاعر الناس ولا للمشتركات الدينية والوطنية والمصلحة العامة، اما المجاهرة “ بالسوء “ فهو قلة ادب وكسر متعمد لقواعد اتفق عليها الاغلبية، وبالتالي فان فاعلها يستحق الادانة والمحاسبة باعتباره “ فاسدا “ اخلاقيا لا يختلف عن الفاسدين الاخرين الذين اتفقنا على تجريمهم بتهمة الفساد .

باختصار، اعيدوا لنا اخلاقنا وضميرنا العام، وعندها، لن تكون بحاجة الى شرطة دينية، وسنكون قادرين على مواجهة هؤلاء الذين نهبوا اموالنا وسمموا غذاءنا، فالفساد الاكبر الذي نعاني منه هو فساد الضمائر، وهذا لا يمكن ان نواجهه بالقانون فقط .

الدستور

مدار الساعة: وكالة اخبارية مساحتها الكلمة الصادقة
مدار الساعة ـ نشر في 2017/06/06 الساعة 04:01