بيضنا ليس كلّه في السلّة السعودية

التاريخ الأخوي المشترك الباعث على الاعتزاز، والتكامل الأمني والسياسي مع الشقيقة السعودية وسائر الأشقاء في الخليج العربي، أمر طبيعي، ناجم عن شدة الحراك السياسي الاقليمي والدولي، واحتدام المنافسة الدولية حول ملفات سياسية محلية وإقليمية، ومن الطبيعي أن تقوم الدول بإجراء تعديلات على مواقفها السياسية والدفاعية والأمنية، فهي من حقها حماية مصالحها والإبقاء على دورها السياسي وربما السيادي في بعض الملفات..
نؤمن بهذا كحتمية سياسية، لكن ثمة ثوابت لا تتغير في العلاقات السياسية والتكاملية التي تربط الأردن تاريخيا بالشقيقة الكبرى القوية السعودية وبدول الخليج العربية الباقية، ولا يمكننا إنكار حقوق الأشقاء كلهم بالبحث عن مصالحهم وحمايتها، لكننا ومن باب العتب قد ننتقد عدم إيلاء الظروف الجيوسياسية الأردنية نظرة موضوعية «كاملة» من الأشقاء، ولا نتحدث هنا عن المواقف التكاملية الثابتة بيننا، بل عن بعضها، لا سيما ما تعلق بالملف الاقتصادي، وتنشيط التجارة البينية بين الأردن وسائر الدول العربية لا سيما الخليجية..
العنوان لا يتحدث عن «النظرية السياسية».. أعني القول المتعلق بالخيارات السياسية مطلقا، بل يتحدث عن «البيض»..بيض المائدة لا غير، فهو قطاع أردني نشط متنام، يحتل مساحة كبيرة من قطاع الدواجن في الأردن، الذي يعتبر بدوره واحدة من نقاط ارتكاز القطاع الزراعي الأردني، حيث تأتي الاستجابات «الإجرائية» البسيطة بطيئة من قبل الشقيقة السعودية وغيرها، وذلك رغم انغلاق كل الحدود الأردنية البرية مع جوارها من كل اتجاه، سوى الجنوب والجنوب الشرقي، الذي يربط الأردن بالسعودية..
في العام 2018 بلغت صادراتنا للسعودية ودول الخليج العربية من بيض المائدة الأردني «بكل أنواعه» حوالي ربع مليار بيضة، وهو رقم كنا نطمح بأن يزداد في عام 2019، لكنه تقلص الى 70 مليون بيضة فقط، ولهذا انعكاسات كبيرة على قطاع الدواجن وعلى القطاع الزراعي، ويقول بعض المستثمرين الأردنيين تفسيرا للفرق في الصادرات الأردنية من البيض الى دول الخليج الشقيقة بين العامين الأخيرين، بأن المملكة العربية السعودية أصدرت تعليمات جديدة عام 2019 تتطلب من الجهات السعودية اعتماد شركات ومزارع أردنية بمواصفات معينة لتصدير البيض الى السعودية، وعلى الرغم من قيام الجانب الأردني بتسمية عدة مزارع وشركات لزيارتها من قبل الجانب السعودي واختبار شروطها من أجل الاعتمادية، إلا أن الجانب السعودي يدرس إجراءاته، مما كان له الأثر الكبير في الفرق بين حجم الصادرات مقارنة بالعام 2018.
ما نقوله عن بيض المائدة قد لا نقوله عن صادرات زراعية أردنية أخرى الى دول الخليج العربي، لكننا بالتأكيد نقوله عن سائر الدول العربية الأخرى المجاورة، وكلنا يعلم ظروفها، التي نتمنى أن تتغير، وترفل بالاستقرار والنماء والعودة للتفاعل مع الجميع كما ينبغي ويليق.
كثير من الأزمات الاقتصادية تعصف بالأردن منذ عدة أعوام، وقد لا تكون جديدة لا هي ولا أسبابها، لكنها احتدمت بأسف بالغ في السنوات الأخيرة، ولا دور أو علاقة مباشرة للأردن في كثير من هذه الأزمات، سوى موقعه الجغرافي، ليدفع ثمنا كبيرا لمثل هذه الاصطفافات والتشكيلات في محاور التحالف والتلاقي والتنافر ..الخ، وحتى لا نظلم السعودية ودول الخليج العربي الأخرى، فإننا نذكر بأنهم كلهم يعلنون موقفا داعما ومتضامنا مع الأردن، وقدّموا الكثير، ولا أعتقد أن الصدر الخليجي يضيق بالدور والموقف الأردني الملتزم بمنظومة قيم عربية اسلامية ثابتة.
الدستور