اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات احزاب وظائف للاردنيين رياضة أسرار و مجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

الخطاب القرآني وعلماء الفضائيات

مدار الساعة: وكالة اخبارية مساحتها الكلمة الصادقة
مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/17 الساعة 07:48
مدار الساعة,اقتصاد,صحة,قائمة,كشوف,

يُعّرِف الدكتورمحمد عابد الجابري في كتابه (الخطاب العربي المعاصر) الخطاب (Discourse ) باعتباره مقول الكاتب أو أقاويله كما يقول الفلاسفة العرب القدماء : بأنه بناء من الافكار يحمل وجهة نظر معينة مصوغة في بناء استدلالي أي بشكل مقدمات ونتائج، وله أشكال وأنواع مختلفة منها الخطاب الديني والسياسي والاجتماعي والإعلامي والأدبي والتربوي والاقتصادي وغيرها.

والخطاب سواء أكان دينيا أو سياسيا او غير ذلك يتكون من أربعة عناصرهي مرسل ورسالة ومستقبل( مرسل اليه ) وواسطة تنقل الرسالة من المرسل الى المرسل اليه. والخطاب القرآني لايشذ عن هذه القاعدة فهو رسالة تتكون من اربعة عناصر أولها المرسل (الله سبحانه وتعالى) والرسالة وهو (القرآن الكريم ) والمرسل اليه (الرسول عليه السلام ) والواسطة (جيريل ) التي حملت الرسالة وسلمتها للمرسل اليه أي للنبي لينقلها ويبلغها بدوره الى الناس كافة بمختلف اجناسهم ومعتقداتهم وثقافاتهم.

ومادام القرآن الكريم كخطاب أو كرسالة موجهة الى العرب اولا بلغتهم التي تتميز بالفصاحة والبيان فقد جعله الله تعالى معجزة للرسول (ص) تتحداهم ــ وهم أهل الفصاحة والبلاغة والبيان ــ بان يأتوا ولو بآية مثله ولكنهم عجزوا عن ذلك. وبما ان القرآن الكربم معجزة للرسول الكريم والرسول ليس مبعوثا للعرب وحدهم وإنما للناس أجمعين، فربما يقول البعض اذا كان القرآن معجزا للعرب لأنه نزل بلغتهم فكيف يكون القرآن معجزا للأمم التي لا تتقن العربية ولا تعرف اسرار بلاغتها وفصاحتها ؟ وردا على هذا السؤال قال علماء الكلام المسلمون مادام أهل اللغة التي نزل بها القرآن الكريم عجزوا رغم فصاحتهم وبلاغتهم عن معارضته فذلك اكبر برهان على انه كتاب معجز لهم ولغيرهم من الامم الاخرى.

لقد أراد الله تعالى لحكمة لا ندريها وإنما هو أدرى بها ان يكون أعجاز القرآن الكريم اعجازا بيانيا من نوع فريد، فهو ليس بشعر وليس بنثر لان لكل من الشعر والنثر خصائص معينة تختلف عن خصائص النظم القرآني، يقول عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، في محاضرة له بعنوان: "النثر في القرنين الثاني والثالث للهجرة:"ولكنكم تعلمون أن القرآن ليس نثراّ، كما أنه ليس شعراّ، إنما هو قرآن، ولا يمكن أن يسمى بغير هذا الاسم. ليس شعرا، وهذا واضح، فهو لم يتقيد بقيود الشعر. وليس نثرا، لأنه مقيد بقيود خاصة به، لا توجد في غيره، وهي هذه القيود التي يتصل بعضها بأواخر الآيات، وبعضها بتلك النغمة الموسيقية الخاصة. فهو ليس شعرا ولا نثرا، ولكنه (كتاب احكمت اياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير). وأنتم تعلمون أن أهم الأسباب للإنتاج الأدبي إنما هي المحاكاة، فإذا قال الشاعر البليغ قصيدة وأعجب الناس بها فمنهم من يرويها، ومنهم من لا يكتفي بهذه اللذة، بل يحاول أن يحاكيها ويأتي بأمثالها. وعلى هذا النحو ينتج الشعر، ويكون للشعراء تلاميذ ومقلدون"."فمن هذه الناحية نستطيع أن نطمئن إلى أن القرآن لم يجد له مقلدا ولم يجد له تلميذا، هو وحيد في بابه لم يسبق ولم يلحق به ما يشبهه"."وإذن فمن الحق أن نضع القرآن في مقامه الخاص الذي لا يصح أن يقاس به شيء آخر".

وتأسيسا على ما سبق فان اعجازه لم يكن اعجازا علميا كما يقول اليوم بعض المفسرين وعلماء الفضائيات الذين يحاولون جاهدين ان يطوعوا النص المقدس ليتماشى مع نتائج البحث العلمي ونظرياته التي يتهيأ لهم انها مطابقة لما جاء فيه من اشارات او تعابير يستدلون منها انها تتفق والنتائج العلمية في مجالاتها المختلفة.ان الذي جاء به القرآن الكريم وحث الناس عليه هو اعمال العقل للبحث في حقائق الوجود ودعوتهم ليتفكروا في خلق السموات والأرض وما بينهما وتوظيف ما يكتشفونه في ما ينفعهم دنيا وآخرة مبتعدين عن التخمين والتأويل ولي أعناق النصوص لتتماشى مع أغراضهم وقناعاتهم.
.
ان لجؤ البعض الى توظيف النتائج العلمية في البرهنة على صدق النص الديني هو نوع من عدم اليقين بهذا النص، ولذلك هم يبحثون عن أي اكتشاف أو أي رأي ايجابي حتى من الاعداء ليثبتوا به قناعاتهم المهزوزة، ولذلك ما أن يقول شخص مشهورحتى لو كان من غير المسلمين برأي ايجابي عن الاسلام أواذا تم اكتشاف نظرية علمية او كشف علمي في أي ميدان وتهيأ لهم أنه موجود او مطابق لما جاء في القرآن الكريم فستجدهم يسارعون الى القول بان هذا موجود في القرآن منذ 14 قرنا وهم بهذا يسيرون وفق المثل الذي يقول والفضل ما شهدت به الأعداء.

ان القرآن خطاب الهي موجه للناس أجمعين عامتهم وخاصتهم، وهو لايحتوي على الغاز وطلاسم حتى تحتاج الى تفكيك، لان الاساس في أي خطاب وبخاصة الخطاب الوعظي والإرشادي ان يكون مفهوما من قبل المخاطبين حتى تتحقق الفائدة والغرض منه. فالموضوعات الاساسية التي يحتويها الخطاب كالمعاملات والعبادات وكثير من القصص والظواهر الكونية المحسوسة والمرئية يفهما المخاطبون دونما حاجة الى هذه التأويلات التي غالبا ما تكون بعيدة عن القصد الالهي.اما الغيبيات فلا يستطيع أي مفسر او شارح أن يقطع بصحة ويقينية ما يتوصل اليه لان هذه الامور لايعلم حقيقتها الا الله تعالى وتبقى معرفتنا بها ظنية وما على الانسان المسلم إلا ان يسلم بها وان لايشغل عقله كثيرا فيما لاطائل من ورائه لان عالم الغيب يقع خارج اطار الزمان والمكان، وعقل الانسان لايستطيع ان يدرك الموجودات الا في حدود اطاري الزمان والمكان لأنه محدود ومتناه والعالم الاخر لامحدود ولا متناه ولذلك فليس بإمكان المحدود والمتناهي ان يدرك اللامحدود واللامتناهي.
.
قد يكتشف العلم نظريات علمية يتوصل اليها الباحثون بطريقة البحث العلمي القائمة على الملاحظة والفرضية والتجربة وقد تتطابق أو هكذا يبدو لنا مع شواهد في القران الكريم، ولكن قد تتغير هذه النظريات التي فسرنا على ضوئها الشواهد القرآنية نتيجة لاكتشافات جديدة فنلجأ للبحث من جديد عن تأويل لإيجاد رابط بين الكشف الجديد وبين الشواهد القرآنية في حين أن القرآن الكريم ليس بحاجة الى كل هذه الامور لإثبات اعجازه، فهو ليس كتابا في العلوم الطبيعية فإعجازه معروف ومجمع عليه من العامة والخاصة وهو الاعجاز البياني الذي أشار اليه الله تعالى عندما تحدى العرب أهل اللغة والفصاحة والبيان ليأتوا بآية مثله لكنهم عجزوا.

وكمثال على ما يسمى بالإعجاز العلمي هو ما ادعاه الدكتور المصري رشاد خليفة قبل عدة سنوات حول سر تكرارالرقم 19في القرآن الكريم حيث هلل له الكثيرون واستقبلوا اكتشافه بالتهليل والتكبير، لكن هذا الشخص انتهى به الامر الى ادعاء النبوة، حيث زعم انه رسول الله وأن اسمه قد ورد في القرآن الكريم 19مرة مما حدى بالفقهاء الذين هللوا في البداية لاكتشافه اعجاز الرقم 19 الى الطعن بعقيدته وتكفيره وإباحة قتله ومنهم القرضاوي وقد تم بالفعل اغتياله في امريكا نهاية عام 1990م وذهب هو وإعجازه ادراج الرياح.

والحقيقة ان هناك ما يدعو المرء للتساؤل، وهو لماذا تأتي هذه الاراء في الاعجاز العلمي للقرآن بعد الكشوف العلمية لا قبلها ؟ وأين كانت جهود هؤلاء العلماء الجهابذة نجوم الفضائيات من هذه الاعجازات المزعومة، ولماذا لم يكتشفوها هم قبل غيرهم ؟! ولو كان ذلك كذلك لكانوا قد وفروا على البشرية هذه الجهود الكبيرة من عناء في البحث ونفقات باهظة صرفت حتى توصل العلماء الى هذه الكشوف.
.
ان اكثر الناس اساءة للإسلام ولكتاب الله هم بعض اهله وفي مقدمتهم بعض من يسمون انفسهم بالعلماء والذين حولوا كتاب الله الى بزنيس يرتزقون من وراء مثل هذه الادعاءات وهذه الخزعبلات التي يوهمون بصحتها الناس البسطاء وحتى للأسف الكثير من المثقفين.
.
فلنبتعد بكتاب الله عن مثل هذه الاساليب الرخيصة التي يوظفها البعض لخدمة أغراضهم الشخصية او حتى السياسية لان ذلك أساء وما زال يسيء لهذا الكتاب المقدس. فالعلم له ميدانه ومناهجه الخاصة والدين له ميدانه أيضا ومنهجه الخاص، فهذا عالم وذاك عالم، ويجب ان لا نقحم أي منهما في ميدان الآخر فنسيء للدين والعلم في آن واحد.

مدار الساعة: وكالة اخبارية مساحتها الكلمة الصادقة
مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/17 الساعة 07:48